الشاب السعودي «عبدالله السنِّيد» الذي شارك متطوّعاً في تنظيم أولمبياد لندن 2012، هو طالب في جامعة «كنت» البريطانية، وهو واحد من 300 ألف متطوّع، ولقد تخطّى هذا الشاب جميع أنواع المقابلات ورُشِّح للعمل في ثلاث لجان تابعة لإدارة التنظيم وهي: لجنة الترجمة بحكم إتقانه لثلاث لغات، الإنجليزية والإيطالية والعربية، ولجنة فحص المنشطات، ولجنة البروتوكول التي تشمل تأمين حضور كبار الشخصيات وضيوف الشرف، وتجهيز احتفال تسليم الميداليات. واختارت إحدى السيدات وتدعى «بيجي مكاي» (60 سنة) عن حب ورغبة عارمة أن تتطوّع في ذلك الأولمبياد وأن تخضع للتدريب مدة أربعة أشهر لتشارك في مشهد مدته ست دقائق فقط! هذا الافتتاح الكبير تكلَّف حوالي 27 مليون جنيه استرليني على الرغم من ضخامة عدد المتطوّعين الذين تبرعوا بجهودهم وأوقاتهم ولم يتقاضوا شيئاً سوى الشكر وشهادة موثّقة تُثبت اشتراكهم في الأولمبياد. لقد لَفَتَ انتباهنا هذا الشاب العربي السعودي كنموذج إيجابي على رفعة مستوى الوعي الإنساني والثقافي والحضاري المتقدِّم والمرتكز على الكفاءة الذاتية والاقتناع الكلّي بالانضمام إلى العمل العام الهادف، حيث يندمج الفرد بالجماعة، وتغيب عنه الأسماء الشخصية فيتحوَّل الجميع إلى جنود يخدمون الفكرة الواحدة، كلٌ من موقعه ودوره. كان الخطّاطون الذين يقومون بنسخ الآيات القرآنية الكريمة بأبهى ما يمكن من جمال الخط العربي وتنوّعه يمتنعون عن توقيع أسمائهم على ما يخطونه من روائع، وذلك لإيمانهم الراسخ والعميق واقتناعهم بالانتماء والانصهار بوحدة الجماعة. وأملهم أن يكون ثوابهم الأول والأخير من الله -عزّ وجلّ. إن مبادرة الشاب «عبدالله السنِّيد» هي في أساسها فردية، ولكنها تنمّ عن إيمان كبير ونفس نبيلة تؤمن بوحدة الجماعة وفعاليتها. هؤلاء الناس الذين انخرطوا في الخدمة العامة إلى جانب أشغالهم وأعمالهم وواجباتهم الحياتية من دون مقابل ومن دون أهداف ومآرب شخصية يشكّلون بما ينجزونه ويقومون به الرافعة الخفيّة لوحدة الوطن، فهم «الأجزاء» التي يتكوَّن منها «الكُلّ»، وهم أصفى وأنقى وأوفى الناس. إن الحماسة الصادقة في الدخول إلى صميم الخدمة العامة تساهم جذرياً في إنجاح مسيرة الشعوب، وتؤكد للفرد أحقيّة «شراكته» في ملكية الوطن، ومسؤوليته وذلك من خلال موقعه في الدفاع عنه، والعمل الدؤوب على تطوّره، هذا إلى جانب نموّ الشعور الإنساني نحو الآخرين وفهمهم وتفهّمهم وقبولهم إخوة حقيقيين في المواطنة. إن العمل في الخدمة العامة التطوّعية يُغذِّي أحاسيسنا بالتسامح وبالراحة النفسية وبالرضا. حبّذا، لو ننمِّي ونتابع تلك المبادرات وننشر هذه الثقافة لنحصِّن مجتمعنا بوطن يجمع الكلّ في رحابه. إن غالبية الأمم الناجحة هي التي استطاع مجتمعها الأهلي أن يكون رائداً وموجّهاً وباعثاً لنهضتها في شتى المجالات وعلى كل المراتب والمستويات.