اعتادت مواطنة أن تعبر بشكل شبه أسبوعي على جسر الملك فهد بمفردها أو مع أطفالها حين لا تكون برفقة زوجها، وفي كل مرة تعبر الجسر كانت تقدم صورة وأصلاً من (تصريح السفر) الخاص بها وبأبنائها في حالة طلب الأصل من الجوازات، لأن طلب التصريح الأصلي يتفاوت من موظف لآخر لضبابية التعاميم في تنفيذ ذلك الأمر، فمنهم من يركز على تصريح الأم أو (المرأة) ويتجاهل حتى النظر في تاريخ انتهاء تصاريح الأبناء، وبعضهم يهمه الاحتفاظ بصورة لكل تصريح، وآخر لا يهمه أي شيء سوى أن يغلق نافذة الكابينة فور تسلُّمه الجوازات، ففي أحد الأيام فوجئت بموظف الجوازات يُعيد لها التصريح ويقول ((ما يحتاج هذا التصريح يا خالة))، وحين سألته مذهولة عن السبب قال لها بالحرف: ((بعد الخامسة والأربعين ما لكم تصاريح))، لم تصدق أذنيها، فجلست تعيد عليه مراراً وتكراراً هل أنت متأكد؟ وعلى قدر ما أسعدتها تلك اللحظة التاريخية على قدر ما شعرت بالحزن لأنها جاءت متأخرة كثيراً، ولكن لم تثنِها مشاعرها عن الاتصال برفيق العمر لتزف إليه الخبر المعجزة ((لن تصدق، لقد سمحوا لي بالعبور أخيراً دون ورقة))، بالفعل لم يُصدق زوجها هو الآخر، وظن في بداية الأمر أنها دُعابة، وبارك لها هذه اللحظة التي لا تعرف طعم مرارتها وقسوة إجحافها سوى المرأة نفسها، ومع ذلك حملت ورقة التصريح في المرات الأخرى لقطع الشك باليقين، فتم إرجاعه مرة واثنتين حتى تكرر عبورها إلى أكثر من ثماني مرات دون تصريح، إذاً بلاشك كان ذلك حقيقة. وبعد شهر تقريباً وبالتحديد في 24 رمضان من هذا العام، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً، لم تكتمل تلك الفرحة حين مرت نفس السيدة مع أطفالها كالعادة فتم منعها من العبور دون تصريح، وحين شرحت للموظف ما حدث من عبور في السابق قال لها احتمال أخطأ الموظف لأن العمر المسموح به (بعد الخمسين)! وسحب جوازات أبنائها وطلب منها أن تتوجه إلى ضابط النوبة للتفاهم، الذي كان النقيب (ع.ش)، حيث صرخ قائلاً بأن القانون يُطبق على الجميع، دون أن يكلف نفسه وقتاً ليفهم تفاصيل المسألة، فتعالى عن الاستماع لها في ذلك اليوم الحار من نهار رمضان، وانهال عليها بالتأنيب والتوبيخ وكأنها خرقت القانون لأنها استفسرت عن صحته، والسؤال الذي يطرح نفسه هل جميع موظفي الجوازات وضباطهم على علم ودراية بآخر التعليمات الصادرة، وهل تتم مراجعة ما يُستجد من التعليمات من قِبل كل ضابط نوبة مع أفراده؟! من حق أي إنسان أن يعرف ماذا يقول القانون بالضبط، لأن اختلاف الآراء يدفع ثمنه آخرون، خاصة بعد أن طالب عدد كبير بتحديد سن الوصايا والولاية الذي أصبح ضمن خطط الإصلاح الإدارية التي ننتظرها من الداخلية، طلبت السيدة بطاقتها لكي تعود إلى المنزل وتُحضر التصريح، ولكن لم يكتفِ ضابط النوبة سوى بأن يُكبدها مزيداً من المذلة لتذهب من كابينة إلى مكتب تلملم جوازات أبنائها وبطاقتها الشخصية، لأنه ضابط وهي مجرد امرأة، قالت له ((أبومتعب كلفكم بخدمتنا وتسهيل معاملاتنا لا بإهانتنا، ليرد عليها بقوة السلطة المكلفة له (إذا لم يعجبك اشتكي إلى مدير الجوازات)، والمحزن حقاً رفض جميع أفراد تلك النوبة حتى إعطاءها اسم مدير الجوازات الذي لم يكن موجوداً في مكتبه ذلك اليوم، لم يتوقف التضليل عند هذا الحد، فقد مرت نفس المواطنة في 27 شوال بعد أقل من شهر لتعبر دون تصريح ليصبح الأمر كلعبة الحظ!! وننتظر بدورنا ماذا يقول القانون من اللواء مدير الجوازات في المملكة؟ كمية المعاناة التي أصبح يتحملها العابر على الجسر سواء من تأخير وطول انتظار بسبب نقص الموظفين الذي يضغط على أعصاب عدد قليل من الأفراد الذين يتحمل الواحد منهم عبء خدمة مسارين، فيدفع بعضهم للتصرف بأخلاق غير لائقة فيصب بعضهم غضبه واستياءه على المسافر الذي يجده أمام وجهه بشكل لا إرادي، حيث يأخذ بعضهم منك الجوازات بعد أن تصله بطلعة الروح ليغلق نافذة الكابينة في وجهك دون كياسة، وحين تصل إلى مخرج عنق الزجاجة (آخر كابينة) تُفاجأ بموظف شاغر في أغلب الأوقات لا يفعل شيئأ سوى النظر إليك من خلف الزجاج، أو يؤشر لك بالانصراف ليكمل الحديث في هاتفه الخلوي، وأحياناً يدفعك للتساؤل لماذا لا يخدم في أحد المسارات ليخفف الضغط!؟ جسر الملك فهد من أجمل المنافذ البحرية في المملكة ولم يتزايد عدد عبور المواطنين عليه بكثافة من داخل المملكة فقط، بل امتد إلى خارجها من دول الخليج وبعض الدول العربية، فمن غير اللائق أن نستمر بنفس الطاقة المتوسطة من الموظفين أمام ذلك العدد الذي يتزايد في الإجازات وعطلة نهاية الأسبوع، بينما نقابل باللطف في تسيير وتسهيل عبورنا من قِبل الجمارك والتفتيش في الجانب البحريني الذي يتعاون فيه الموظفون بالوقوف على أرجلهم ولا يستكبرون على التنقل بين السيارات لتفتيشها لتلافي التكدس دون أن يجبروا السائق على النزول والوقوف أمامهم دقائق إلى أن ينهض أحدهم بملل لكي ينظر داخل السيارة ويختم بالانصراف مثل ما يفعله بعض موظفينا الذين يصرّون على التعامل معنا ومع الناس وكأننا عالة عليهم وتلك الوظيفة ما هي إلا جميلة يقدمونها لنا على مضض!