الرضا الوزاري عمن يتسنم المنصب أشبه بالمستحيل دائماً، ليس في المملكة فحسب، بل في جلّ دول العالم، فمهما كان الوزير مخلصاً خلاّقاً وذا رسالة ورؤية، فإن أصغر الأخطاء التي تحدث في أي إدارة تابعة للوزارة يكون الوزير مسؤولاً بشكل مباشر عنها، رغم أنّها قد تكون من اجتهاد موظف صغير، أو من إرث وزير سابق. ويبقى الوزراء، بين مطرقة محاسبة القيادة وسندان النقد المجتمعيّ، وبين هذا وذاك تتطلب مهمّة الوزير نوعاً خاصاً من الرجال، حكماء في ردود أفعالهم وتصرفاتهم، وحازمين في محاسبتهم، ودقيقين في أداء مهامهم، والأهمّ: أن يتحدثوا عن الواقع كما هو وألاّ يسوّقوا الوهم على الناس. إن عواصف النقد التي تطال أي وزير، وركائب الثناء التي تطارد ربما ذات الوزير، لا تمنعه من تحديد مكامن الخلل في أداء وزارته متى ما تعامل بعقليّة عملية تؤسس قراراتها بناء على الدراسات والمسوحات والرقابة. تكاد تكون تحديات الوزارات متشابهة، وخصوصاً تلك التي لها اتصال مباشر بالخدمات، وهذه التحديات للأسف لا تواجه بإحصاءات وسبل علاج جذرية وإنّما تعالج بالترحيل وتبني مشروعات وخطط جديدة، قد يرحل الوزير وتنتهي فترة توليه مهام وزارته وهو ما يزال يسوّق لفكرتها. وإذا ما رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، فلن نجد أثراً للخطط الاستراتيجية التي تبنتها وزارات الصحة والعمل والتجارة على سبيل المثال، بل أغلق الوزراء الجدد أدراجهم عليها وبدؤوا يسوقون لأحلام جديدة، تستمر في التضخم طالما الوزير على الكرسي، ويفيق الجميع من غفوتها مع وزير جديد. سيبقى كرسي الوزير “دوّاراً” يطيح بوزير ليعتليه آخر، بيد أن الوزراء الجدد عليهم أن يأخذوا عبرة من رحيل من سبقهم، لا في التعامل مع شخوصهم بعد الرحيل من الوزارة، فهذا آخر همّ المسؤول الحقيقي، بل بما يتركه من أثر تنمويّ يستفيد منه الناس، حتّى لو لم يتذكر الناس اسمه. الأسماء التي أعلن القرار الملكي عن تسليمها مهامها الوزارية ليست مجهولة بالتأكيد، ولها إنجازاتها التي أوصلتها لهذه الكراسي تكليفاً لا تشريفاً، لكن الفاعلين الحقيقيين وذوي الرؤية الحقّة من الوزراء الجدد هم من سيلقون بكلّ إنجازاتهم السابقة خلفهم ويبدؤون تحديّاً حقيقيّاً تجاه أنفسهم أولاً.