الإدارة ليست فناً فقط لكنها التزام وعمل ومراجعة مستمرة للنفس وللمواقف، إنها الحياة في أوسع ساحاتها وفي أرفع مقاماتها، لذا فهي تستحق أن يهبها صاحبها من عقله الفكر الواعي ومن نفسه الرحابة ومن قلبه الانشراح. لا تقتصر على عمل مجرد، بل هي التفاعل مع حاجات الناس ومطالب الناس الذين جعل الله حاجاتهم عند هذا المدير، وساقه إليهم لينال بهم رضا الله الذي يفرح بأولئك الساعين في خدمة الناس. تعطيل الأمور سمة بليدة يرتاح لها كثيرون بل ويضيفون إليهم مصطلحاً أصبح دليلاً على جزء واسع من العالم: «يكون خير، أو راجعني بكره، أو ما فيه إلا أنت ؟» إلى آخر قائمة التعطيل والتسويف التي لا يجيدها إلا أولئك الذين يتسنمون ذروة مسؤولية في قطاع من قطاعات خدمة الناس. ربما أردفها بعضهم بعبارة: «بكره إن شاء الله» التي أصبحت مرادفة لعدم الإنجاز وتعطيل المصالح وخنق ضمائر ذوي الحاجات، وتعيدني هذه العبارة إلى مدرس لغة إنجليزية استرالي في سنتي الأولى بكلية التجارة بجامعة الرياض حينذاك، لم يكن يطيق سماع «إن شاء الله» من كثرة سوء استخدام الطلاب لها، وليس بعيداً عن ذلك تعليق ابن تيمية رحمه الله على أحد القائلين له قل: «إن شاء الله» قال: أقولها تحقيقاً لا تعليقاً . ليس أثقل على نفس صاحب معاملة أو موضوع أو حاجة أن يظل يتسول صاحب الكرسي أياً كان الكرسي كي ينجز معاملته، وربما وصل به الأمر إلى حد اليأس، وربما ترك هذا المدير عمله قبل أن يبت في كثير من المعاملات، وليست في حاجة لأكثر من استشعار المسؤولية وأخذ مبادرة القرار والعمل على تحقيق أمانة خدمة الناس. المبررات التسويفية التي يسوقها هؤلاء واهية باردة، تنحصر كلها في الخوف من المجهول وليس المجهول هذا بأكثر مما في رأس أو صدر هذا المسؤول من أن يتخذ القرار لأنه يغير الوضع الراهن الذي يريحه كثيراً .