** (صدمة وزير).. عنوان استثارني كثيرًا، فرحتُ أتابعُ ما كُتب تحته بصحيفة “الوطن”! الموضوع هو عبارة عن رصد لاستقبال وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله للمراجعين في اليوم الذي خصصه لاستقبالهم!! قرأتُ الموضوع بكامل حرفيته، ثم جلستُ أستعيد العنوان ذاته: (صدمة وزير).. ما المقصود بالصدمة هنا؟؟.. في المضامين المطروحة يكاد يكون المقصود بأن الوزير صُدم من الناس وشكاويهم!! واستغرب هذا تمامًا!! أي أن تكون أحوال الناس وحوائجهم صدمة عند مَن جعله الله مسؤولاً عن مراجعة تلك الحوائج وقضائها!! ثم لماذا هذه النرجسية الزائدة؟؟ لماذا نجعل الأمير الوزير مصدومًا من مجتمعه؟؟ هو مَن أين أتى؟؟ هل هبط علينا من السماء؟ أو جاء إلينا من كوكب آخر؟! إنه ابن هذا الوطن، ومن رحم هذا المجتمع، نما وترعرع وعاش فيه. فهو يعرف كل شيء عنه، ومنه، وفيه! فلماذا هذا (التغريب) الذي نحاول اختلاقه بهكذا عنوان ما بين ابن الوطن -وإن كان وزيرًا- وما بين المواطنين -وإن كانوا أصحاب حاجة، أو حتى شطّت بهم حاجاتهم قليلًا-؟؟ ** الناس كلهم بطبعهم هكذا يحاولون اختراق الأنظمة، أو القفز من فوقها، أو المرور من تحتها بغية قضاء حاجة! الطابور العربي عمومًا يعرف هذا، وحتى أمام فرن التميس يحدث هذا، فلماذا إذًا نعتبرها صدمة للوزير؟! ** أرجو ألاَّ يكون ذلك نرجسية زائدة من أجل خاطر الوزير، وهذا خطأ.. فكأننا نسكنه برجًا عاجيًا فوقنا وبعيدًا عنا، حتى إذا ما تدلّى منا استنكر علينا وصدمناه بأحوالنا! كما أرجو ألا يكون ذلك من باب التندر بأحوال المجتمع وحوائج الناس، وطرائق بحثهم للوصول إلى قضائها!! وفي كلا الحالين فإن الأمير الوزير لا يقبل بهذا. كما لا نقبله نحن له أو عليه، وذلك من باب احترامنا له، وأيضًا باعتبار مسؤوليته الاجتماعية عنا!! ** (يا سادة) مطالبة المواطن حق مشروع له، وإذا ما تجافى عن جادة الطريق الموصولة إلى تحقيق مطالبه فذاك وشأنه، ويبقى في أيدينا نحن أن نستجيب بالقدر الذي تجيزه اللوائح، وتسمح به الأنظمة!! ** يا سادة يا كرام.. الوزير لا يضايقه مجتمعه، ولا تصدمه أحواله. ما قد يضايقه، أو يصدمه شيء آخر غير هذا. الصدمة المؤلمة هي تلك المخرّجات التربوية التي قال عنها بأنها (غير مفرحة)! وهذا غير مفرح لنا جميعًا، وهو مصدر معاناة للوطن باعتبارها عدته وعتاده، ومصدر حزن كبير لكل غيور على التربية والتعليم!! والسؤال الذي يقلقني كثيرًا ليس: كم من الأصفار يحتاج إضافتها الوزير كي يستطيع أن يفهم همّ وزارته ويتحدث عنها؟! ولكن كم من الأصفار نحتاج حتى تتحوّل مخرّجاتنا التربوية إلى (الحالة المفرحة)؟! ** ما قد يضايق الوزير، أو يصدمه أننا من أكثر دول العالم إنفاقًا على التعليم، ومن أواخر دول العالم في سلّم مخرّجاته! الأكثر إنفاقًا والآخِر ترتيبًا!! معادلة مؤلمة جدًا!.. هذا هو الهمّ الكبير، وهنا يكمن السؤال الأصعب. وإذا ما اهتدينا إلى إجابة واعية ومدروسة ومتأنية، استطعنا أن نحل كثيرًا من معطيات معادلة (السيف والعظم)!! ** ما قد يضايق الوزير أو يصدمه أن 50% من معلميه فشلوا في اجتياز اختبارات القياس. أي أن مَن يكتب النجاح للآخرين لم يفلح هو في تحرير أدواته للنجاح. هذا (النصف).. أمّا النصف المجتاز فالله وحده العالم كيف اجتازوا، وكم نسبهم؟.. ومشكلة إن كانت (الحفة) هي المنقذ للكثيرين منهم!!. المعلّم (واسطة العقد)، وحين يسقط هو فما الذي بقي بعد ذلك للعقد كي لا ينهمل؟!.. لا تتجادلوا (يا ربعنا) في كيف يستعيد المعلّم هيبته؟؟.. فهذه أساسًا جزء من القضية!.. ابحثوا أولًا في كيف نؤهل المعلّم تأهيلاً صحيحًا؟ وحين يستعيد المعلم مكانته التربوية والتعليمية ثقوا بأنه سيستعيد بطريقة دراماتيكية هيبته!. الهيبة لا يصنعها السوط، ولكنها مرهونة (بالمكانة والتمكّن)! فالحقوا بواسطة عقدكم.. احكموا وثاقها قبل أن تتناثر بقية ما فيه من الحبات على الأرض!!. واخرجونا من (جدلية) على مَن تقع أسباب الضعف؟.. على تعليم عام (يورد) أم على تعليم عالٍ (يصدر) ويخرج؟؟!! ما قد يضايق الوزير أو يصدمه أن أدواته في الميدان لا تحمل كلها ذات الحد، ولا تعيش ذات المسؤولية، ولا تقدم ذات الدور!! اقرأ هذا ممّا قال الوزير: “ما هي الفائدة من مديري إدارات التربية والتعليم الموجودين في المناطق، على الرغم من شهاداتهم الكبرى التي يحملونها؟ أليس الهدف الرئيسي هو حل مشكلات الموظفين والمواطنين في كل منطقة، نيابة عن الوزير والوزارة، والنزول لمستوى المواطن والمراجع والموظف، والاستماع إلى شكاواهم وإنصافهم»؟!. كلام الوزير (هنا) تشخيص لما يمكن أن يكون؟ وذلك في حال (صحية) الحال، و(عافية) الأحوال!. لكن خلل (ما) يحدث هنا أو هناك. وعندما قلت (أدوات الميدان) لا تحمل كلها ذات الحد.. أعني أن بعض مديري التعليم لا يجيد غير ذاته هو!!.. فهو يجيد قفل الباب عليه أكثر من الانفتاح على شكاوى المراجعين وهموم المواطنين!. ولا يملك من مؤثراته غير (لاءاته) المستعصية التي يراها بأنه (القول الفصل)، والحق المبين الذي يجب أن يسمعه، ويقبل به كل الناس!!. لأنه يعتبر ذلك جزءًا من شخصيته، بل هو كل شخصيته.. لأنه يرى بأن هويته هو ذلك (الكرسي)، وجل ما يخشاه أن يفقد الهوية فيفقد الكرسي، وشتّان بين من يستطيل هو بالكرسي ومن يستطيل الكرسي به؟ وفي هذا (الشتّان) تكمن فوارق الفكر، وإدارة العمل، وممارسة «الصلاحيات». وهناك من (يتأبط) بشته صباح مساء، ومن مناسبة إلى أخرى، ويرى في ذلك (اللزوم) الأكبر للشخصية!! ** وفي النهاية فإن كل تلك النماذج لا تسألها عن القيام بدور الوزير، ولا بمهام الوزارة، ولا تتوقع منها أن تقضى حاجات مواطن، أو تفصل في قضية!.. بل قد لا تسأل هذه النماذج حتّى عمّا يدور داخل أسوار مدارسها؟ فكيف بما هو خارجها؟.. ويظل الوضع قائمًا على المكاتب القابعة تحت مكتب (سعادة المدير)!. ويظل (إجراء اللازم كالمتبع) هو حال الهمّ الذي يشكو منه مَن يحاول أن يجد حلاً على باب (سعادته).. هذا إذا فُتح له الباب!!. ** هذه نماذج لأدوات لا تتقن تفعيل الميدان، ولا تحمل ذات الأدوار للمسؤوليات الأعلى في الوزارة!! على أن أغلب مديري التربية والتعليم -حاشاهم- وهم كثر يمثلون نماذج مضيئة تفاعلاً، وعطاءً، وحسًّا، ومسؤوليةً!!. ويبقى الجانب الآخر من الموضوع!. وهو أننا عندما نطلب من مدير التربية والتعليم أن يمثل الوزير هل أعطيناه كامل الصلاحيات؟. في ظني أن هناك أشياء لا زالت تسكن داخل أروقه الوزارة، والدليل كل هذا الطوفان من المعاملات، وليس الشكاوى وحدها التي تنهال على الوزارة من كل مكان!. إذا أردنا من مدير التعليم أن يحمل كل المسؤوليات، فعلينا أن نمنحه كل الصلاحيات، وهذا حق له، ثم نحكم عليه بعد ذلك مباشرة بما له أو عليه!!. وفي النهاية أرجو ألاَّ يشكّل أي وضع مهما كانت نوعيته ودرجته على الأمير الوزير (صدمة).. لا بد أن يكون لديه مناعة، لأنه (باختصار) يتسنم الوزارة الأهم والأصعب، والأكثر شغلاً وانشغالاً بها وبمخرجاتها!!. وبالتأكيد فإن (الوزير) من واقع اختياره يدرك هذا، ويدرك أن عليه أن يتعامل مع كل هذا، فهو لم يأتِ إلى متنزه يحتسي فيه قهوة الصباح، وإنما جاء إلى معترك عليه أن يواجهه، ويتواجه معه. وبقدر ما يكون يكون الأثر والتاريخ!!. خاتمة: كل الحكايات المثيرة لا تحمل في نهاياتها انفراجًا بذات القدر من الإثارة.