أغمضت عينيها تحاول أن تمسك رأسها من تخبط يشبه أسلاك كهرباء مكشوفة. هي مقتنعة بأن الذي سيحل ذلك التشابك هو البدء في المشورة الصادقة مع النفس. ففي حضور الصدق تنهار الأسباب والحجج الزائفة، ويبدو كل شيء مقنعاً لها. وتصبح الأفكار وكأنها كتاب مفتوح أمامها تقرأ منه وتتلمس أحرفه. كانت ذاكرتها المتأرجحة تشبه الشمس وسط نهار غائم تختفي حيناً خلف الغيوم ثم تعود لتظهر ثم تحجب نفسها وراء غيمة أخرى تاركة نوراً خفيفاً. بقيت عيناها معلقتين فوق سطور الكتاب بين يديها لم ترفع عينها ولم تتصور أنها رغم ذكائها لا تعي منه أي كلمة. ذكرياتها تنقلب إلى اشتياق ثم حنين لتلك اللحظات الفقودة. تاركة آثارها كالخطوط في جذع الشجرة تدل على عمرها. كالتجاعيد المحفورة على البشرة تدل على تجارب سنين مضت. ما الذي يجعلها تهادن الصبر وتحايل الذاكرة؟ أهو الخيال أم ترقب النهاية؟ تتذكر أنها ابتدأت بزرع الحب منذ نعومة أظافرها ولم تفلح. حملت الورد وعملت منه باقات لكن وردها جفّ. تسير كالتمثال تنظر للأشياء المعروضة وتراقب الناس كل مشترٍ يختار سلعة تختلف عن مشترٍ آخر. كل إنسان له حكاية وكل حكاية خلفها ألف حكاية. تتحرك أمام عينها الكوابيس تتخللها أو الأحلام السعيدة لم تعد تفرق معها. حزينة فالأيام التي كانت تنبض بالحياة مضت. سالت دموعها فأخفتها خلف كفيها. أحست أنها ماتت فقرأت الفاتحة على روحها وهي تتثاءب والحيرة تدق رأسها. شعرت بالضجر والتعب تمنت أن تنام لتستريح. ترتسم خيالاتها على جدران الغرفة تغوص في القاع ثم تطفو على السطح. تحاول رسم صورة لحياتها بدون ورق ولا أقلام. تحاول أن تجمع خيوط حياتها بحرص شديد حتى لا تنقطع، ولكنها تفشل. أخيراً وبعد تفكير هادئ ومنطقي أسلمت أمرها لله. نعم هناك ثقب في الذاكرة. صدق الطبيب المعالج أنها بداية مرض الزهايمر.