كان حادث السير الثاني بسبب (الجليد المزحلق) يسمونه هكذا في ألمانيا (Glatteis) وهو موت أحمر خطير جدا، يفقد فيه القائد السيطرة على المقود مع مزيد من استخدام الكوابح. ينصح البعض بعدم استخدام الفرامل إلا في أقل الحدود، ومنه تم اختراع نظام الكوابح المنظمة (ABS). أخطر حوادث الجليد قاطبة تلك التي تحدث على طريق جاف هطل فيه المطر، فتبلل فصعقه البرد، فتحول إلى الجليد المزحلق. صديق لنا في ألمانيا قضى نحبه هو وزوجته وطفلة تيتمت ونجت بخسارة كليتها في جراحة إنقاذ، وكانت تراجيديا عائلية من واقع مدمر. أنا شخصيا كسرت سيارة مع ضلع في صدري في حادثة من هذا النوع. أتذكر الأستاذ عبدالحليم أبو شقة الذي كان يزرونا ويكتب في موسوعته حول (تحرير المرأة في عصر الرسالة) الذي صدر في موسوعة فكرية هامة لاحقا. أردنا زيارته. تفقدت السيارة والطبيعة والأرض. غلطت ودفعت ثمنها غاليا. سيارة إلى التشليح، وضلع مكسور. في ألمانيا لايضيعون الوقت في تصليحات كبيرة. يرسلون السيارة إلى التشليح وتقوم الشركات بدفع قيمة التأمين مخصوما منها مقدار تدني ثمن السيارة. كان هذا من حوادث الطرق معي في ألمانيا. أعني بها الكبيرة والخطيرة ونجوت في الأولى بجروح بسيطة، ومازالت ندباتها في يدي اليسرى تذكرني بنجاتي. كما تذكرني بخلاصي من قبضة كارل توما الجَرّاح الألماني الذي كنت أعمل معه. كان يكثر من الزعيق في قاعة العمليات. لم أصدق أنني ودعته غير مأسوف عليه. قلت إنها بوابة ألمانيا وفي العادة فإن البوابين ليسوا أفضل الناس خلقا. قلت في نفسي إذا تكررت مأساة كارل توما في الجراحة فلسوف أودع فن الجراحة كله. ربما كان هذا أفضل، فورطة الجراحة العامة ومزعجاتها كثيرة. غادرت تلك الزاوية الموحشة من ألمانيا مع هذا الجراح المزعج، فحملت رحلي إلى شمال ألمانيا لأعمل في مشفى في مدينة أولدن بورج، وهي مدينة الفيلسوف الألماني الوجودي كارل ياسبرز (Karl Jaspers) وعملت مع الجراح كروني مونتس بروك (Crone Muntz Brock) وكان رجلا فاضلا هادئا، تعلمت عنده عمليات المرارة والدرق. وفيها أيضا ومع قدوم عائلتي من الغابة السورية، تنعمت براحة البال والحياة العائلية، وارتفع دخلي إلى الضعف فأمكنني التوفير، وشراء بيت في دمشق لن أسكنه قط، ولن تسكنه أيضا زوجتي فقد سكنت في الراحة الأبدية في مقبرة مونتريال، فنحن نزورها بين الحين والآخر، والآن نطلب لروحها السلام الأبدي.