المتابع لمسار الأحداث في سوريا بعد عملية دمشق النوعية للجيش الحر في مبنى الأمن القومي السوري، التي أسفرت عن اغتيال كبار الشخصيات الأمنية والحكومية السورية، يلاحظ أنّ وتيرة التصريحات الغربية المؤكدة دعمها للثورة السورية قد تسارعت، خاصة من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. بل إنّ كل دولة راحت تعلن عن مساعدات مقدمة للمعارضة السورية، فهذه أعلنت عن تقديم دعم فعّال غير قاتل، وأخرى عن اتخاذ إجراءات استثنائية سرّية لدعم الجيش الحر، والحقيقة أنّ أحوال السوريين على الأرض وفي الفضاء السياسي والعسكري وحتى موضوع اللاجئين تجعلنا نتساءل عن أي دعم يتحدثون؟! في الحقيقة ما يحصل هو مجرد بروباجندا إعلامية ليعطوا أنفسهم قدرا أكبر مما هم عليه في الواقع في الأزمة السورية، بدليل أنه بعد سنة ونصف السنة، لا يوجد أي ضغط حقيقي من قبل الغرب على نظام الأسد أو حتى محاولة إيقاف المساعدات التي تصله إذا لم تكن لديهم النية بالتدخل. فحتى المساعدات الإنسانية العينية والمالية المزعومة من قبل هذه الدول لم تصل إلى الشعب السوري أو اللاجئين السوريين في الخارج. وها هي أنقرة تعلن اليوم أنها غير قادرة على استضافة ما يزيد عن مائة ألف لاجئ، وقبلها كانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت أنها غير قادرة على التكفّل بأي مصروفات تتعلق باللاجئين السوريين على أراضيها، أما وضع اللاجئين في الأردن فيمكن اختصاره بالمخيّم، الذي تم انشاؤه في الصحراء عبر نصب مجموعة من الخيام لا تقدّم بل تؤخّر. والمثير للاهتمام أنه كلما زاد صمود الجيش الحر وتقدمه، كلما زادت وتيرة هذه التصريحات والتسريبات الغربية، والحقيقة أنّها تهدف إلى القول أولا: إنّ هذه الدول تساعد الثوار السوريين وأنه سيكون لها كلام في سوريا الجديدة، بمعنى آخر هم يحاولون أن يحجزوا مكانا لهم في سوريا المستقبل أو أن يضعوا قدما فيها عبر السيطرة على مخرجات الثورة. أمّا الهدف الثاني، فهو التغطية على عجزهم وفشلهم وربما تواطئهم أيضا، فهم الوجه الآخر لموسكو وبكين وطهران. سكوتهم طوال هذه الفترة، وعدم تقديمهم أي دعم حقيقي أدى عمليا إلى إطالة أمد نظام القتل، ولذلك هم شركاء في الامتناع، والأمر لا يتعلق فقط بمعطياتهم الداخلية المفهومة حول السياسة الداخلية في بلدانهم، بل في وجود توجه لدى بعضهم على ما يبدو إلى ترك الأسد يدمّر الدولة السورية، ويقتل مزيدا من البشر. فمحصّلة عملية إطالة الحبل التي يحكمها الأسد، بمعادلة إما أنا وإما أحرق البلد، سوريا ضعيفة، مفلسة ماليا، مدمرة من حيث البنى التحتية، مترهلة إن لم تكن مفككة من حيث البنى الأمنية، مخلخلة من حيث البنى الاجتماعية، وسوريا بمثل هذه المفاوضات سيسهل وضع شروط عليها والتدخل بها. ما يفوتهم أنّ إكمال الشعب السوري المسيرة لوحده سيحررهم من كل هذه الحسابات لاحقا.