واحدة من أهم خصائص البشرية هي التواصل، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ويحتاج دوماً إلى التأثير والتأثر بما عند البشر، عن طريق مهارات الاتصال Communication Skills، ولذلك يعّول علماء الإدارة وعلماء النفس على تلك المهارات، لا لأنها مهارات اختيارية يمكن للإنسان الاستغناء عنها، بل لأنها الشريك الحقيقي للإنسان لتحقيق النجاح والتفاعل الإيجابي بين الفرد والمجتمع بوجه عام. وفي حقيقة الأمر، نجد أن معظم الناجحين اليوم يعتمدون على تلك المهارات شكلاً ومضموناً، بل أصبحت تلك المهارات علماً يدرّس اليوم، وفناً يطبق وينُتهج. وإن كان حديثي في هذا العدد، والأعداد المقبلة، بمشيئة الله، سيتركز على تلك المهارات بشكل عام، كمهارة فن الكلام والحوار، ولغة الجسد.. إلخ، إلاّ أنني سأركز حديثي على المهارة الأساسية لكل ما سبق، وهي مهارة فن الاستماع. فسيولوجياً، خلق لنا المولى عز وجل أذنين ولسانا، ليكون استماعنا ضعف كلامنا، فالسمع هو الوعاء الحقيقي لفهم الآخر، ومن وجهة نظره هو، لا من وجهة نظري أنا، لأننا ببساطة قد نفقد كثيراً أكثر مما نكسب بأصواتنا العالية التي لا تسمع في كثير من الأحيان. والحكمة القديمة تقول «تكلم سوف يستمع لك الناس.. استمع سوف يحبوك»، وهناك كلام جميل ذكر في التوراة، في سفر الأمثال، على لسان سيدنا سليمان عليه السلام يقول «الأحمق الساكت يُحسب مع الحكماء». كلٌ منا يحب الحديث عن نفسه ومشاكله واهتماماته ونجاحاته، وقلة منا تجدهم مستمعين، ومن هم كذلك يستحوذون على قلوب البشر، لا بل يتعدى استماعهم إلى مهارة أعلى، وهي الإنصات بكل جوارحهم وأحاسيسهم وتفاعلهم مع المتكلم، واحترام حديثه، حتى وإن لم يكن الحديث مهماً بالنسبة لهم. تشتكي لي إحداهن في طلب استشارة من عدم استماع زوجها لها، حتى في أي حديث أسري عابر، وتقول لي يقرأ الجريدة، ويقوم بهز رأسه، وكأنه ممعن في الاستماع لما أقول، حتى أنني أغير الحديث بكلمات غير مفهومة، وهو مايزال يواصل هز الرأس! وللحديث بقية.