لو أنك استمعت إلى كثير من المتحدثين في بعض المجالس أو الاجتماعات، لوجدت أن هناك فوضى في الحديث، ولو استمعت إلى بعض مداخلاتهم لوجدت أن القليل من الموجودين يحاول أن يستمع، والقليل جداً منهم من يصغي بشكل واضح ليفهم مغزى الحديث ... ورغم أن الإنسان يتعلم بعض التقنيات الخاصة بالحياة، مثل مهارة الصداقة وكسب قلوب الناس، أو إدارة الوقت، أو تعلم مهارة الخطابة وغيرها، إلا أنه لا يفكر غالباً في تحسين قدرته على الإنصات أو الإصغاء. والإصغاء هو قدرة الإنسان على الانتباه من أجل الفهم الجيد، والتمييز بين الحقائق والميول الشخصية. والإصغاء الجيد من المهارات المهمة في الحياة ولكنها مهارة منسية كثيراً عند بعض الأفراد والمجتمعات. ويمكن تعريفه بالقدرة على التركيز على ما يقوله الآخرون، وما يحاولون التعبير عنه، وليس ما يريد المستمع الرد عليه أو إبداء وجهة نظره المخالفة ... ويبدو أن جزءاً من إهمال مهارة الإصغاء الجيد يعود إلى التربية المنزلية، حيث يتكلم أفراد العائلة مع بعضهم دون أن ينصت أو يصغي أحدهم للآخر. كما أن من أسباب ذلك الأنانية التي توجد عند بعض الأشخاص الذين يحتكرون الحديث، ولا يتركون فرصة للآخرين ليعبروا عن آرائهم. وتبرز أهمية الإصغاء الجيد في العلاقات الإنسانية، حيث إن كثيراً من الناس يبحثون عن الأصدقاء أو الأشخاص الذين ينصتون إلى مشكلاتهم وآرائهم باهتمام ومودة. وعندما ينصت الإنسان بشكل جيد فإنه يستمع بكل حواسه، وكل قلبه وشعوره. إن مهارة الإصغاء الجيد تؤدي غالباً إلى اتصال حقيقي بين المتكلم والمستمع، كما أنها تساعد على اتخاذ القرارات الجيدة المبنية على الآراء المختلفة والمعلومات الصحيحة. ويستطيع الشخص الذي يتعلم مهارة الإصغاء الجيد أن يميز بسهولة بين الحقائق والآراء، كما يستطيع أن يعيد بناء الكلام الغامض أو الأفكار المشوشة إلى كلام واضح وأفكار أكثر وضوحاً. إن أي حديث أو رسالة يريد الإنسان إيصالها إلى الآخرين تحتوي على عنصرين أساسيين هما المحتوى والشعور. ويعطي هذان العنصران معنى وافياً للحديث أو للرسالة، وهو المعنى الذي ينبغي استيعابه بشكل جيد. وكلمات المتحدث – أحياناً- لا تقول كل ما يرغب أن يقوله لنا، ولذلك فإن المطلوب أن نحصر انتباهنا بجميع وسائل الاتصال مثل تعبيرات الوجه، وحركات اليدين والعينين .... الخ. إن الإصغاء الجيد مهارة من المهارات المهمة التي يمكن اكتسابها عن طريق الممارسة، وهي مهارة تجعل الإنسان أكثر فهماً وتعاطفاً مع الناس والمجتمع، بل وتؤدي إلى مزيد من القوة والنجاح.