تكاد عادة توزيع الأطباق الرمضانية بين الجيران أن تندثر في زمننا الحاضر، وهي من التقاليد الشعبية التي دأب الأهالي على ممارستها في شهر رمضان المبارك، وتشتهر في المجتمعات الخليجية بكثرة منذ قديم الزمان، وهي تعبّر عن صلة الرحم والتواصل بين الجيران وتولد في النفوس المحبة وفعل الخير، وتعد من المواريث الشعبية في قرى ومدن محافظة القطيف. حيث يتسابق أطفال الحي قبل أذان المغرب حاملين “الأطباق الرمضانية” إلى بيوت الجيران، بعد أن قامت أمهاتهم بإعدادها، لا سيما الأكلات الشعبية، من أهمها “الهريس” أو ” اللقيمات”. وأكد محمد آل غزوي، من أهالي بلدة التوبي، أن عادة توزيع الأطباق الرمضانية لم تنقطع في القرى، وقال “يجد الأطفال مُتعة من وراء هذا العمل، فهم متعلقون به جدا، وتجدهم يجوبون “الزقاق”، ويعبرون “الساباط” للوصول سريعاً، من أجل توزيع الأطباق على الجيران والأقارب، وكل يريد أن يسبق الآخر، ويعلو وجوههم الفرح لمساهمتهم في هذا العمل الخيري، حتى أنهم يعرفون وبمجرد أن يدق جرس المنزل قبل موعد الإفطار، بأنه أحد الجيران قادم بطبق رمضاني. وأضاف “هو بالفعل موروث يربي الأطفال على فعل الخير، وليس مجرد عادة، إنما عمل فيه إنسانية ورحمة وأجر من الله سبحانه وتعالى، فلربما كانت ربة المنزل مريضة ولم يتسن لها أن تعد الطعام لأولادها، فهي عادة تعزز روح التعاون بين الأفراد”. وذكر محمد الخباز من أهالي حي الديرة – أقدم أحياء جزيرة تاروت-، بأن أهله حريصون على أن يتذوق جيرانهم ما أعدوه من طعام إفطار، وقال “الأطباق الشعبية تحديدا لها نكهة خاصة، فعندما يصلك طبق من أحد الأصدقاء تشعر بالسرور لأنه تذكرك، فهكذا يكون التواصل والمشاركة المجتمعية. وأضاف “مع الأسف الشديد بدأ الناس بترك هذه العادة الجميلة وبدأت في الاندثار، واقتصرت على القرى والأحياء القديمة، خاصة بعد أن انتقل سكان الأحياء البسيطة إلى المدن الكبرى. وأكدت “أم حيدر” التي تسكن أحد الأحياء الجديدة في القطيف، أنها لا تكاد تشاهد عادة توزيع الأطباق الرمضانية في الوقت الحاضر، وقالت “قليلون جدا الذين ما زالوا يمارسون هذه العادة، كمن يعيشون في الشقق السكنية وبينهم علاقة وتواصل، فالأحياء الجديدة متباعدة عن بعضها وليست مثل القرى، ولا يكاد الجيران يعرفون بعضهم”. وتحدثت الحاجة أم جابر ( 60 عاماً) عن حرص الأهالي قديما على توزيع الطعام فيما بينهم، ووجدت في ذلك ما ينمي الروابط الأخوية والعلاقات بين الجيران، وأضافت” تشتهر بعض السيدات بكونهن متمرسات على عمل الأكلات الشعبية، لدرجة أن الجيران يطلبون أطباقهن بشكل خاص، مثل “اللقيمات” و “والهريس” و “الساقو” و “العصيدة ” و “الثريد”، وقد تعودنا على تبادل الأطباق الرمضانية بين أفراد عائلتي، حتى بعد أن انتقلت إحدى أخواتي إلى حي جديد يبعد مسافة ليست قريبة عن منزلنا، حرصت على إرسال أحد أبنائي لها، حاملا معه بعض الأطباق الشعبية، فهي عادة سنوية لم تنقطع بيننا منذ أربعين عاماً. كما اتفقت بناتي حاليا وزوجات أبنائي على أن تعد كل منهن طبقا أو اثنين، ويوزعنه فيما بينهن، لتمتلئ سفرهن الرمضانية بالخيرات.