لا يُمْكِنُ لعاقل وضع حديث حسن نصر الله البارحة الأولى إلا في خانة تزييف التاريخ والشعور بقرب خسارة الحليف الأكبر المشترك بين حزب الله وطهران بشار الأسد.ويلعب الإيقان الحتمي بخسارة الأسد بعد تلقيه ضربة موجعة بقتل أبرز قياديي خلية الأزمة السورية دوراً كبيراً في تأزيم نفوس القلائل من مؤيدي نظام الأسد المموَّل من ذات مصدر تمويل حزب الله وأحد أبرز عازفي اوركسترا المقاومة “المزعومة” في المنطقة.إيمان الرجل بدا واضحاً بزوال الأسد وهو الأمر الحتمي، عند وضعه تجربة العراق كتجربة مقابلة لسوريا، هنا إيقان تام في نفوس مساندي الأسد بأنه انتهى دون رجعة بنظامه وأعوانه وزبانيته. من هنا حاول نصر الله استخدام ورقة المقاومة والمزايدة على القضية الفلسطينية – القضية الأم- لمحاولة التخفيف من هول صدمة رحيل “الرفاق” أو “الشهداء” كما وصف دون إيقانٍ بأنه أحرق بذاته آخر أوراق التعاطف الشعبي العربي مع سلوك المقاومة المزعوم، طالما أن الأمر بات قائماً على حساب الدم السوري ودعم النظام الأسدي وتصوير من يعبث بأرواح السوريين منذ ما يزيد عن عام شهيداً ورفيق سلاح، بهذا خسر الرجل وحزبه الشيء الكبير وباتت أزمة نصر الله في مقابل المجتمعات العربية وليست بمقابل الحكومات، فالمواقف الرسمية معروفة مسبقاً تجاه حزب الله وارتباطه بطهران على أساسٍ مذهبي طائفي واضحٌ وعلني.الأكثر سخونةً وما يفرض نفسه بقوة في المشهد نهج تزييف الحقائق التاريخية الذي سلكه السيد نصر الله عبر ترويجه بأن سلاح المقاومة سلاح سوري خالص ووضع المملكة في ذات الوقت، وهي أحد أهم دول الاعتدال بالمنطقة في موضع لا يقبله عاقل مُنصف خلال تصويره منع المملكة الغذاء عن غزة، والمعروف أن الرياض لا تنتهج سياسة المزايدات على القضية الفلسطينة وتتعامل مع كافة الفصائل الفلسطينية على مسافة واحدة دون تمييز أو تفضيل، ويجب القول إن السعودية تحرص كثيراً على تقديم الدعم للقضية وللشعب الفلسطيني دون النظر له كفضلٍ إنما هو واجبٌ تمليه العروبة والإيمان التام بقضية محورية ومركزية كقضية فلسطين.سقطات حسن نصر الله المتتالية التي كان آخرها خطاب “نصرة الأسد” وأعوانه، يجب أن تستفيد منها الأطراف الفلسطينية وحماس على وجه التحديد على اعتبارها ستجد نفسها وحيدةً بعد خسارة أطراف أخرى عامل التأييد في الشارع العربي، عليها الآن التفكير جدياً بملء فراغ من سقطوا وخسروا استغلال المقاومة لتحقيق مصالح أخرى إقليمية لسنواتٍ عدة، عليها نبذ كل الاختلافات وخلق تصور واضح وجدي للمرحلة المقبلة، إن اعتبرنا أن التأييد الشعبي هو أحد أهم أسلحة المقاومة التي استغلها نصر الله وجماعته لبلوغ أهدافٍ لا تخفى على الجميع سنواتٍ عدة مضت. خسارة نظام الأسد بسقوطه المنتظر سيشكل صدمةً لمؤيديه في روسيا بالدرجة الأولى، وطهران ولبنان تحديداً، سيواجه هؤلاء الشعوب العربية لا الحكومات، ومن هذا المنطلق ستجد تلك المسارات ومحركاتها نفسها في أزمة تاريخية لن تنجلي على اعتبار أن فرص التقارب تتبخر مع آخر قطرة دم عربية سُفِكَت بآلةٍ عسكرية وقيادة وتخطيط يقوم على أساسٍ طائفي ومذهبي صرف، يرتكز على زرع الفتن وبث الفرقة من أجل فرض تسيد وزعامة إقليمية ستجلب الشر للمنطقة بأسرها.