طالب فداع الشريم - السعودية تصوير: بثينة فارغ لكل منا حياته التي لا تتساوى مع غيره، وآماله التي لا تتطابق دقائقها مع أمثاله، وأعماله التي لا تستنسخ لشخص آخر. أفكار الإنسان فريدة مختلفة، كبصمة الإبهام، ونسيج الدم، وتفرد محيط الأذن، فسبحان من خلق الخلق ووضع لكل فرد بنيته المتفردة. لا يوجد اثنان يتطابقان بكل السجايا حتى لو أرادا ذلك، وإن نادى داع الحب، ولوحت مآقي الأهداب بالإعجاب، واقتفت الخطى جادت المحاكاة، وأطنبت الألسن بالأمثلة.. فالتجارب تستعيد نتائجها في علوم الطبيعة، وتستعصي في علوم الإنسان! يمضي العمر، وتتعاقب السنون، وتتبدل الهيئات، أنفس تأسرها البرازخ وكأنها نبات غض أورقت أطرافه فاشتد عوده، أثمر فتعددت فروعه، وتسامقت أغصانه، أو مات قبل القطاف، ثوانٍ، ودقائق، زفرات تعود قبل تمام خروجها، خيالات تتشكل مع كل إشراقة صباح، وأرواح أعيتها المعارك، أفران تتوقد في خلجات نفس ما إن تحط رحالها في فيض إلا وأعقبتها حياض كرّ وفرّ، هذه رحلتك، زادها خليط بين عقل يعقل، وميل لهوى عابر. لم أسمع يوماً أن امرأً قد أعلن اكتفاءه من الحياة، واتخذ قراراً بالتوقف عن رحلة الهروب التي بدأت معه من أول لحظة لامست قدماه التراب، إنها النفس وتلك طبائعها. يا بن آدم إن ما لامس التراب من أطرافك فهو آتٍ منه عائد إليه، يا بن آدم ستبقى رحى معركتك دائرة مادمت مسجوناً في بدنك، يا بن آدم ما أنت إلا ضيفٌ، فإما أن تستقبلك دار المتاع وأنت مكبل في بدنك، أو تعلم أن الضيافة موقتة، فتخرج بنفسك للترقي صوب مجيئك قبل الطرد. رحلتك أنت وحدك، ملؤها تناقضات نفس، وطموح روح، وطول أمل، وهوى فؤاد، فيها ما فيها من نزغ الشياطين، وروحانيات فيض الرحمات، فيها حضور عقل، وغياب بصيرة، كل تلك بك وفيك، تتراءى لك حولك، وتتلبسك فترى فيها ما تراه صواباً، تترقى بنفسك، تخرج من أسر البدن فتتسامى في فسحة فضاءات الكون، أو تنغمس وسط تجاذبات الهوى، فتهوي بك في بحر الظلمات. تحتج على المقسوم للآخر، تتعامى فلا ترى هباتك التي لا يملكها سواك، يخرج أحدهم من عائلة الثراء إلى الفقر، فَيلعن! ويخرج الآخر من أتون الفقر إلى الثراء فيُلعَن! يخرج العالم من بيت جهل فيذم به! ويسقط من بيت العلم جاهل فيُصّير إلى الابتلاء! كل الأنفس تشكو العدل! فلا السابق على أهله محمود! ولا اللاحق بهم مشكور! ولا الماحق لهم معذور! فانج بدقائق العمر، وطهر رحلتك منهم، واحمل متاعك مما لذ في روحك، وتسامت به نفسك، وأدركته بعقلك، لتسمح لقلبك أن يداعب خفقات مؤونته الموقتة للوصول إلى المستقر العالي، عند عدل كريم إليه كل مآل.