برز تطورٌ لافت على خط الأزمة السورية وتأثيرها على لبنان تمثَّل في دعوة عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جون ماكين إلى إنشاء منطقة عازلة في لبنان. الدعوة “القنبلة” قوبلت بعشرات ردود الفعل المستنكرة، علماً أن ماكين عاد وأوضح بالأمس أنه لم يكن يقصد لبنان، وأشار إلى أنه لا يرى أن إنشاء منطقة آمنة قد يُطبَّق من لبنان، بل من تركيا أو الأردن، لأن الوضع في لبنان مختلف، مشدداً على أن المعارضة السورية بحاجة إلى الملاذ الآمن إنما ليس من لبنان. وفي اتصال مع “الشرق”، أكّد منسق تيار المستقبل في لبنان النائب مصطفى علوش أن ماكين أشار إلى أن كلامه جرى تحريفه، ليس هذا فحسب، بل ذهب علّوش أبعد من ذلك، معتبراً أن هذا القرار متعلّق مباشرة بالإدارة الأمريكية وإن أرادته فلتفرضه بالقوة. وردّاً على سؤال “الشرق” حول موافقة تيار المستقبل على إقامة منطقة عازلة على أراضيه، ردّ علّوش بأن كتلته تؤكد على عدم إقحام لبنان بالمزيد من الدم، ورأى أن بإمكان الدول الكبرى لهذه الغاية الاختيار بين الأردن والعراق وتركيا وترك لبنان وشأنه. وبالعودة إلى ردود الفعل، كان أول المستنكرين حزب الله الذي اعتبر أن دعوة السيناتور الأمريكي لإنشاء منطقة عازلة في لبنان ستكون منطلقاً وقاعدة للتدخل في سوريا، وانتهاكا سافرا لسيادة البلد وتدخلا وقحا في شؤونه الداخلية. وأكد حزب الله أن هذا التدخل، يتناقض بشكل كامل مع سياسة النأي بالنفس التي أعلنتها الحكومة، والتي يفترض أن تكون مصلحة لبنان واللبنانيين، ورأى في هذه التصريحات ترجمة عملية لسياسة الإملاءات الأمريكية والتدخل بالشؤون الداخلية للبلدان، ومحاولة فرض سياسات مغايرة لمصلحة الدول. كما دعا حزب الله المراجع الرسمية المختصة إلى رفع الصوت عاليا ضد هذا التدخل الأمريكي وإفهام واشنطن أن لبنان ليس محمية أمريكية، كما أنه ليس إحدى جمهوريات الموز التي يمكن للإدارة الأمريكية رسم سياستها الخارجية أو التدخل فيها متى شاء. أما رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط فكان أشار بعد لقائه ماكين إلى أنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها ماكين قصر المختارة، كما لن تكون الأخيرة، وهو الذي دافع عن استقلال لبنان، وعن المحكمة الدولية، والذي يقف اليوم إلى جانب حق الشعب السوري في العيش الكريم والكرامة بمواجهة آلة القتل للنظام السوري الحالية. من جهته، شدد رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة بعد استقباله ماكين في منزله على “أهمية أن تدعم الولاياتالمتحدةالأمريكية قوى الاعتدال والديمقراطية في العالم وضرورة أن تلتزم بالمبادئ التي طالما نادت بها وقامت على أساسها”. واستوضح السنيورة السيناتور ماكين بما عناه في حديثه عن “الحاجة إلى توفير منطقة آمنة للجيش الوطني السوري والمقاومة السورية”، فرد السيناتور ماكين بأنه لم يقصد لبنان بهذا الكلام. بموازاة ذلك، تسارعت الأحداث في الجبهة الشمالية للبنان مع سوريا، حيث ارتفع عدد ضحايا القصف من الجانب السوري الذي طال منطقة وادي خالد الشمالية اللبنانية الحدودية مع سوريا أمس إلى ثلاثة قتلى وسبعة جرحى. أفادت المعلومات الأمنية أن قذيفة “آر بي جي” مصدرها الجانب السوري سقطت على بلدة الهيشة في وادي خالد، ما أدى إلى سقوط قتيلين وجريحين من النازحين السوريين، نقلوا بواسطة سيارات الصليب الأحمر إلى المستشفى. كما أشارت إلى سقوط قذيفة ثانية على البلدة نفسها، وقُتِلَت شابة فيما أصيب خمسة أشخاص بجروح عرف منهم الشقيقين مؤمن وخالد المكحّل فجر أمس في وادي خالد نتيجة سقوط قذائف من الجانب السوري. كما أعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان صادر عن مديرية التوجيه أنه “عند الساعة الثانية من فجر اليوم (أمس)، وعلى أثر حصول اشتباكات مسلحة داخل الأراضي السورية في الجهة المقابلة لبلدة العماير اللبنانية في منطقة وادي خالد، سقط عدد من القذائف في البلدة المذكورة ما أدى إلى مقتل مواطنة وسقوط ثلاثة جرحى، جرى نقلهم إلى مستشفى سيدة السلام في بلدة القبيات”. وأشار البيان إلى أنه “تمّ تعزيز قوى الجيش المنتشرة في المنطقة، والتي وضعت في حال استنفار قصوى، واتخذت التدابير الميدانية اللازمة، لمعالجة أي خرق للحدود اللبنانية السورية من أي جهة أتى وبالطرق المناسبة”. وفي ردود الفعل الأولية على الحادثة، أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أسفه لسقوط الضحايا في منطقة وادي خالد وأجرى اتصالات بالأجهزة المختصة للاطلاع على نتائج التحقيقات، طالباً اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون سقوط المدنيين تحت أي سبب كان لأن أمن المواطنين وسلامتهم يشكلان أولوية الاهتمامات لدى المسؤولين.