تتجاذب أصحاب الفكر السياسي مقولة المؤامرة بين مؤيد لوجودها ومنكر كل حسب قناعته التي يبررها بمعطيات مجرى الأحداث. والعجيب في الأمر أن كل فريق يوشك أن يغير مفهومك الشخصي ويوصلك إلى مرحلة الاقتناع وهذا في نظري يحصل عندما تكون القراءة خاطئة لأن هناك أمورا متشابكة متداخلة في بعضها فلا يمكن تفسير حدث دون ربطه بما قبله وما ينتج عنه. وهذا ما أكده عبدالرحمن الواصل بمقالته في جريدة «الشرق» بعددها رقم 210 بتاريخ 11 / 8 / 1433 تحت عنوان ( الشرق الأوسط ونظرية المؤامرة ) عنما قال (أوحت الدول ذات النفوذ والتأثير المباشرعلى الشرق الأوسط لشعوب دوله بما أطلق عليه نظرية المؤامرة تشويها لاستقراءات بعض مثقفيها ) ففي تصور الواصل، أن المؤامرة مجرد تصور وأوهام! فأذكره بأنه قد يبدو في بعض الحالات أن الحدث تم لمعالجة موقف معين ولكن نتائج ذلك الحدث أظهرت عكس التصور. كما هو الحال في كوسوفا وعندما أتحدث عن المؤامرة لا أعنى بها أن اثنين يحيكان مخططا ضد ثالث فهذه الأمور تخطاها الزمن بعدما وصلنا إلى هذه النقلة التقنية في الاتصالات والاتساع المعرفي؛ ولكنها أخذت عدة وجوه يتشكل بها الخصم حسب الحالة بتكتيك يتناسب مع الظروف الموجودة فعلا أو تصنع إذا دعت الحاجة لإيجادها مع فبركتها حسب البيئة المحيطة بها لتكوين الإحساس بطبيعتها وأنها من صنع المستهدفين أنفسهم حتى لا يلام الآخرون بل ليشكروا عندما يتدخلون لحل ذلك الإشكال كما حدث في ليبيا وتيمورالشرقية بإندونيسيا ومتوقعة في سوريا. ولكن بعدما تهدأ الأمور وتبرز النتائج وتظهر التحليلات بفرز المفردات التي تكونت منها المشكلة فهنا تحصل التداخلات في المعطيات المسببة وتتباين التفسيرات بين الوجود واللا وجود للمؤامرة. فدعونا نتبصر في الوضع لمعرفة الحقيقة. فالعدالة تحتم تكافؤ الفرص دون هيمنة أو فرض شروط أو وضع قيود ولكن ما حدث هو بعد أن بسطوا نفوذهم في أرجاء المعمورة أطلقوا عبارة العولمة لتسويق الانفتاح وإزالة العوائق الحدودية والموانع الضريبية فكان من نتائجها توقيع اتفاقية «الجات» التي تطورت إلى منظمة التجارة wto وأرهبت دول العالم الثالث. ألا يثير هذا التوقيت أكثر من علامة استفهام؟. لأن الأمر الطبيعي أن يكون الانفتاح بين طرفين متعادلين ومتكافئين لتبادل المنفعة فتبادلية المصالح هي العنصر الفاعل الذي يجب مراعاته وألا تختل قاعدة التوازن. فإذا عرفنا أن سلعة حيوية ومهمة تشكل ركيزة أساسية في اقتصاد الدول وهى البترول مستثناة من بنود الاتفاقية أليس في ذلك إجحاف بحق المنتجين؟ ولماذا لم يستثن القمح وهو قوت الشعوب؟ مثال آخر: عندما أسست المملكة تجمعا صناعيا للبتروكيماويات على أحدث الأساليب وآخر تقنية فنية مدعومة بخبرات غربية، رحب لمشاركتها، لقناعة القيادة السعودية الحكيمة بتبادل المصالح، ولكن عندما بدأ الإنتاج يصدر للخارج ظهرت لنا المصدات الهوائية المفتعلة مثل ضريبة الكربون وإجراءات الحماية! عندما خطت دولة الإمارات خطوة نحو الانفتاح الاقتصادي بإيجادها (منطقة جبل علي) بتسهيلات وإعفاءات مغرية كل ما حصل أن المصانع والشركات الكبرى أسست لها مستودعات تخزين لمنتجاتها الجاهزة للتصدير انطلاقا من الأرض القريبة من الأسواق المستهدفة مستغلة هذه الفرصة دون إعطاء دور للمشاركة الفاعلة أو ترك أثر لبصمة الإمارات بل جوبهت صادراتها إلى أمريكا من المنسوجات بإجراءات تعسفية! أما من حيث الثقافة والفكر فهم يحتكرون بعض التخصصات العلمية عن دول العالم الثالث مثل علوم الذرة والفضاء وبعد أن هيمنوا على هذا المجال أصدروا لنا قانون الحماية الفكرية! ولا ننسى الجانب العسكري فهم يمنعون امتلاك السلاح النووي ويحجبون علومه كما هو الآن مع كوريا الشمالية وغيرها، وكذلك العتاد العسكري المتطور وإن سمح فبشروط قاسية كما هو الحال مع اليابان وألمانيا! أما الجانب السياسي فهم يشكلون تنظيراتهم حسب الظروف كما هو الحال مع اتفاقية أوسلو ومدريد فأمريكا كانت الراعية (والضامنة) لتطبيق ما يتفق عليه وتدرجت المفاهيم حتى أصبحت شاهدا. والكيل بمكيالين في موضوع حقوق الإنسان فنتساءل عن أسلوب التعامل في الحالات التالية: في آسيا (العراق وأفغانستان وتيمور الشرقية) في إفريقيا: (السودان والصومال وأريتريا و راوندا) في أوروبا: كوسوفو والشيشان. ألم تكن المعالجات للحالات آنفة الذكر محققة للأهداف المنشودة لديهم مهما تنوعت وتغيرت التبريرات؟ وهناك أيضا عملية الاستقطاب التي يمارسونها لإغراء الأدمغة المفكرة والمبدعين من العالم الثالث بالقتل أو الهجرة لتفريغ بلدانهم التي رعتهم لتقطف جهودهم وتنفرد بأفكارهم ولا ننسى ما أعلن أخيرا عن تخزين مواد نووية في خمسة عشر موقعا من العالم دون علم أو استئذان أصحاب الأرض. أليست هذه الأحداث كلها تصرخ من التآمر وتئن من التواطؤ.؟!