في الوقت الذي نطالب فيه الآخرين باحترام عاداتنا وتقاليدنا ونؤكد على القادمين إلينا بالتقيد بأنظمتنا ومراعاة قوانيننا الدينية والاجتماعية والعرفية فإننا كأفراد نصادر هذا (الحق) عندما نكون نحن في موقف الآخر كما فعل ذلك ثلة من النساء عندما رفضن التقيد بأنظمة البلد المضيف وإصرارهن على فرض ثقافتهن (الشخصية) دون أي اعتبار لأي أنظمة وقوانين. إن طرد فرنسا ثلاث سيدات سعوديات من مطار شارل ديجول في باريس ومنعهن من الدخول إلى أراضيها بعد أن رفضن رفضا باتا خلع غطاء الوجه (النقاب) ليتأكد رجل الأمن من صورهن في جواز السفر وهن كاشفات الوجوه التي بالتأكيد رآها الجميع ابتداء من المصور مروراً بمدير جوازات منطقتهن ومن أدخل بياناتهن في الحاسب الآلي ونهاية برجال الأمن في المطارات حق سيادي لذلك البلد وتنفيذ للقانون الفرنسي الصادر عام 2011م، الذي يمنع أية سيدة من ارتداء النقاب (غطاء الوجه) في الأماكن العامة، ذلك الحق الذي مارسته فرنسا والمتوافق مع أنظمتها قابله ثناء الفاتحين لبلاد (الفرنجة) على هؤلاء السيدات من قبل بعض المتشددين، ومن شابههم من مقلدين و(مغردين) ومريدين لا هم لهم سوى النقل. علينا أن نعترف أننا كما في باقي دول العالم الثالث نفتقد إلى ثقافة احترام الأنظمة والقوانين، وأنهن (أي هؤلاء النسوة) خالفن نصاً صريحاً من أنظمة المملكة الذي أعلنت عنه وزارة الخارجية السعودية، حيث أكدت علنا ضرورة الالتزام واحترام القانون المحلي عند السفر إلى فرنسا، كما حددت الفقرة الثالثة التي أعلنتها الوزارة ونشرتها على موقع سفارتها في باريس أن النقاب محظور في فرنسا في الأماكن العامة وقد تعاقب المنتقبة في الأماكن العامة بغرامة مالية تبدأ ب150 يورو (النقاب هو غطاء الوجه)، أما الحجاب فمسموح به وإن السلطات في المطارات الفرنسية تشترط إزالة الحجاب للتعرف على العلامات الفارقة، علماً أن إزالة النقاب في المطار شرط من شروط الدخول وذلك ليتمكن ضباط الهجرة من التعرف على الشخص. لقد خالفت السيدات قانون البلد المضيف وقانون المملكة الذي أكد على احترام أنظمة البلدان الأخرى خاصة فيما يتعلق بفرض تلك الثقافات المختلف عليها وربطها كتوجه ملزم للدين خاصة أن القارئ لكتاب الله لا يجد ما يوجب على المرأة تغطية وجهها فالمفهوم من قوله تعالى في سورة النور كما يقول الباحث الإسلامي الدكتور راشد المبارك (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) وقوله تعالى أيضا (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) هو أن الأصل ظهور الوجه والزينة ولو كان ذلك مما يجب ستره لما كان لغض البصر معنى وقال جرير في تفسيره: أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عُني بذلك الوجه والكفان ويدخل في ذلك الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وجاء في سنن أبي داوود عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا، فأشار إلى وجهه وكفيه. إن القول بجواز كشف الوجه هو المعروف لدى مذاهب جموع الأئمة وهو قول أحمد ذكره ابن هبيرة الحنبلي في كتاب (الإفصاح) وذكره صاحب (المغني) وفسره بقوله إن الحاجة تدعو لكشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والعطاء كما روي قول لمالك إن شعر المرأة ليس بعورة. لقد ألفنا في العالم الثالث أن قناعاتنا وتقاليدنا حتى تلك المختلف عليها والشاذة عن جماعة المسلمين ملزمة للآخرين وأن أنظمة (العالم) يجب أن تتغير بناء على تلك الموروثات والأيديولوجيات الخاصة بنا وأن عليها الانصياع ولكن حان الوقت لكي نتفهم قوانين الآخرين وأن نحترمها فذلك مدعاة لكي يحترم الآخرون قوانيننا وأنظمتنا ولو كان عكس ذلك فمن حق الفرنسيات مثلا قيادة السيارة (هنا) أو لبس ما يرغبن بناء على تقاليدهن وأعرافهن. لقد كان من الأولى على أولئك السيدات أن يتفقهن في أنظمة هذا البلد المستضيف أو أي بلد يمكن زيارته وأن يحترمنها وإن لم تناسب تلك الأنظمة ثقافتهن فمن الأفضل لهن أن لا يسافرن إليها.