في كل بلد، توجد -بطبيعة الحال- عدة توجهات، وعقائد سياسية مختلفة معلنة وغير معلنة. أو، بمعنى آخر، توجد -بالضرورة- اعتقادات -أو عقائد- سياسية معينة ومختلفة.. تسعى عبر أنصارها لتنفيذ ما تعتقده من مبادئ في الواقع السياسي والحياتي لبلدها، أو لغيره، متى واتتها الفرصة لعمل ذلك. هذا هو تعريف «الأيديولوجية» السياسية، بصفة عامة ومختصرة. إنها اعتقادات سياسية معينة.. تسعى لحض الناس على عمل أشياء سياسية معينة. وهي شيء لصيق بالإنسان الحديث وسلوكياته، وخاصة السياسية. حتى أنه يعد ما هو قائم من أنظمة، في أغلب الدول، إنما يقوم على أيديولوجية معينة، أو يمكن تعيينها. وفي البلاد الديمقراطية تتجسد هذه الاعتقادات في «أحزاب» سياسية مختلفة، فالحزب السياسي هو عبارة عن: مجموعة من الأفراد.. يعتنقون مبادئ سياسية معينة، يدعون أن تطبيقها يخدم المصلحة العامة لبلادهم، ويسعون للوصول إلى السلطة، أو إلى أكبر قدر ممكن منها، عبر الوسائل المتاحة لهم، لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ الفعلي. وليست هذه المبادئ في مجموعها -في الغالب- سوى أيديولوجية سياسية معينة، أو يمكن تعيينها. فالإيديولوجية، إذا، هي شيء ملازم لممارسة السياسة في الواقع الفعلي، وفي كل دولة -تقريبا- ومن هنا، أتت مقولة: إن الأحزاب السياسية توجد في كل بلد تقريبا -سرا وجهرا- وأن هذه الأحزاب سرعان ما تظهر على السطح عندما يتاح لها ذلك. *** ويعتقد معظم علماء السياسة، العرب وغيرهم، بأن ما يشار إليه ب «التيار السياسي الإسلامي» سيحظى بغالبية أصوات الناخبين في أي انتخابات (برلمانية، أو رئاسية) نزيهة تقام في أي دولة عربية معاصرة. فهذا التيار يحظى بثقة «أولية» لدى كثير من الناس، مقارنة بغيره من الأيديولوجيات والتيارات السياسية المختلفة الموجودة. ونقول «ثقة أولية» ولا نقول دائمة، أو مطلقة. ذلك أن ارتكاب هذا التيار، بعد وصوله إلى السلطة، لأحد الأخطاء الفادحة سيؤدي -بالضرورة- إلى انصراف الناس عنه في الانتخابات القادمة، وربما التصويت ضده. وفي اللحظات العربية الراهنة، نرى أولئك العلماء والخبراء السياسيين يستشهدون بما حصل في كل من: تونس، والمغرب، وليبيا، ومصر، وغيرها -حتى في بعض الدول الإسلامية غير العربية- على صدقية استنتاجهم هذا، الذي أثبتته كل تجارب الانتخابات النزيهة على قلتها. إن الجانب المتطرف في هذا التيار يميل -بحكم اعتقاده المتشدد والضيق- لارتكاب هذه التجاوزات، بالنسبة للآخرين. بل إن أدبيات كثير ممن ينتسبون لهذا التيار تؤكد الإصرار على تبني هذه الأخطاء الإقصائية.. لأنهم -ببساطة- يعدونها مضادة لعقيدتهم السياسية..؟! بل إن بعضهم يصرح بذلك.. مدعيا أن هذه «الأخطاء» ما هي إلا «فضائل» واجبة..! أما أفدح هذه الأخطاء فأهمها: تسفيه المبدأ الديمقراطي.. الذي أتوا إلى السلطة عبره، وكتابة دستور إقصائي، وفرض قيمهم وتفسيرهم الخاص لمبادئ الإسلام على من لا يريدها، أو يختلف معها. وقد نتحدث عن هذه الأخطاء -السياسية- بمزيد من التحليل في وقت لاحق، بإذن الله. فهذا وقت طرح هذه القضية.