عرفت بين أهالي منطقة جازان باسم «قرية عُكّاش»، قبل أن يتنامى عدد السكان، ويتوسع نطاق العمران في الأحياء المجاورة لها، لتصبح حيّاً في أطراف مدينة صبيا، جنوباً على الطريق بينها وبين جازان، ويطلق عليها المسؤولون في بلدية محافظة صبيا اسم «حي السعادة» رسمياً، يقول الأهالي: «قد تكون تلك التسمية من باب التفاؤل بالخير»- حسب تعبيرهم-، غير أن التساؤل الذي تحاول «الشرق» استطلاع الإجابة عنه عبر التقرير «هل طرقت السعادة أبواب ساكنيها»، أهالي عكّاش هم وحدهم مَنْ يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال بدقة، ولعل لسان الحال يُغني عن المقال. القرية التي صارت حياً يقع على أطراف الطريق المؤدية إلى السوق الشعبية للمحافظة، حيث يدلف قاصدوها إلى طريق ٍ ترابية من فتحة ضيقة شقّت بتكسير بعض طوبات الرصيف، فيما لا يشك المارّة في أنها منفذ للعبور، لتصل إلى أطراف الحي، فتستقبلك بقايا النفايات المتراكمة تعبث بها الأغنام والأبقار التي يمتهن رعيها وتربيتها أهالي الحي داخل بيوتهم. سبعة بيوت سكان عكاش التي لا يقطنها سوى سبعة بيوت لا يعرفون لهم وطناً غيرها، حيث ولدوا وترعرعوا فيها. بعضهم يحمل أوراقاً ثبوتية مؤقتة تعرف ب «المشاهد»، مختومة من إدارة الأحوال المدنية، وتسمح لهم بالتنقل داخل المنطقة، وآخرون يحملون جوازات إقامة نظامية، وبعضهم الآخر لا يعرف من هذه الدنيا سوى اسمه وذويه الذين يحيطون به، وأن عينيه لم تر غير هذه الأرض. تذكر آخر إحصاءات للسكان والمساكن عام 1431ه أن الموقع يقطن فيه ما يقارب من 52 ألفاً و648 نسمة من غير السعوديين الذين يسكنون في محافظة صبيا وحدها. ويشكلون ما نسبته 23 % من السكان.
حي الظلام المواطن بندر يعقوب من سكان الحي يشكو عدم وجود طريق معبّدة، ويشير بيديه إلى قرب الشارع العام من حيهم، مستغرباً عدم ربطهم بالأسفلت. أما من ناحية نظافة الحي فهو لم يشاهد عمال النظافة إلا حين تكون هناك زيارة للجنة من البلدية لتعمل شركة النظافة حينئذ ليلا قبل مجيء اللجنة، على حدّ قوله. وتغيب أعمدة الإنارة عن شوارع عكاش الضيقة التي يذكر الأهالي أنه كان بها بضعة أعمدة تحطمت بعد العواصف التي هبت في الأشهر الماضية، ولم تأت الصيانة لإصلاحها حتى الآن.
بيوت الصفيح مساكن الحي يظهر بعضها مبنياً من الزنك المثبت بالأخشاب والمسامير. ويشكو الأهالي من قيظ الصيف تحت سقوفها التي تَحمى عند الظهيرة. ويسكن الميسورون منهم في مساكن شعبية من البلك والإسمنت والسقوف الخشبية، وتسكن معهم حيواناتهم داخل الدار. أما السعوديون فيسكنون في عمائر بعضها من طابقين. وما زال بعضهم يستخدم وسائل النقل البدائية من عربات تجرها الحمير، ويستعملونها للتنقل وجلب أعلاف الماشية، كما أن بعضهم يستخدمها للوصول إلى السوق التي لا تبعد عنهم كثيراً، ويعمل فيها أكثرهم. ولا يمكن إغفال منظر الدراجات النارية التي تمرّ مسرعة بين الأزقة التي يصعب التنقل داخلها بالسيارة.
عقود غير رسمية الزواج داخل هذا الحي لا يتم بالطرق الرسمية عن طريق مأذوني المحكمة، لكنه «حسب الشريعة الإسلامية» كما يقول أحد الأهالي. «يتم الزواج عن طريق جلب أي شخص يعرف كلمات «عقد النكاح الشرعي»، ويكتب ذلك على ورقتين يوقعهما والد العروس والزوج. ويذكر أحدهم أن هناك مواطنين من محدودي الدخل يتزوجون بتلك الطريقة من امرأة ليست لديها إقامة رسمية، وقد تكون مجهولة الهوية. هناك من سكان القرية مَنْ يحمل معه «مشهداً» مختوماً من الأحوال المدنية يسمح لهم بالتنقل في حدود المنطقة فقط، والحصول على التعليم والعلاج في المستشفيات الحكومية.
الدواء من المواطنين أم محمد مصابة ٌ بالسكري والضغط، وليس لديها إثبات هويّة، وبالتالي لا تستطيع الحصول على العلاج داخل المنشآت الصحية الحكومية. كما أنها لا تستطيع دفع ثمن العلاج من الصيدليات الخاصة. وكل ما تحصل عليه من مساعدات خيرية لا يكفي حتى الحاجات الأساسية. ولذلك تستعين بإحدى المواطنات التي تجلب لها كمية من حبوب السكري والضغط من حين لآخر.
مواسم الخير المساعدات الخيرية لا يعرفها أغلب فقراء الحي إلا في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر. حيث يقوم بعض المتطوعين بتوزيع الإفطار يومياً عليهم. وتنظم بعض الجمعيات الخيرية محاضرات في المساجد ومسابقات تُرصد لها جوائز مالية، ما يجعلهم يسيرون إلى المحاضرات بكثافة لعلهم يفوزون ببعض المال. ومواسم الخير كما تصفها «حليمة « فرصة لزيارة صديقاتها القديمات للحصول على المساعدات المالية والعينية. فقد جاورتهم في حي آخر قبل أن تنتقل منه قبل عدة سنوات.
غير نظاميين الوضع المعيشي بكل تعقيداته مترتب أصلاً على مشكلة الوثائق الثبوتية. وتداخل السعوديين بالمقيمين إقامة غير نظامية أوجد هامشاً عريضاً تتزاحم فيه القصص الكثيرة. وحين أخذت «الشرق» جذر المشكلة إلى مدير الأحوال المدنية بمنطقة جازان علي بن أحمد المدخلي، فإنه اكتفى بقوله إن «التعامل مع الأوراق الثبوتية المؤقتة المعروفة ب»المشاهد» انتهى بها منذ عام 1429ه». وأضاف «لا يتم تجديدها إلا بموجب أمر من وزير الداخلية أو نائبه، ويُعد حاملها متخلفاً عن نظام الإقامة والعمل، ما لم تكن لديه معاملة بالحصول على الجنسية في الأحوال المدنية». يقع حي عكّاش جنوبي محافظة صبيا يشتغل سكانه في الرعي وتربية المواشي يقدر عددهم بنحو 922 نسمة غالبيتهم من اليمنيين النازحين