باقتراب موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يتصاعد خطاب التخويف من طرفي المنافسة. خطاب التخويف أعاد إنتاج معادلة الاستقطاب مرة أخرى بين نظام مبارك وبين الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين. خطاب التخويف يدلل أكثر من غيره على فاشية الطرفين، فهذه فاشية باسم الوطن مارسها النظام القديم طوال عقود حكمه وهذه فاشية باسم الدين تمارسها جماعة تتحدث باعتبارها هي وحدها الإسلام، مع جرأة غريبة من الطرفين على الحديث عن الثورة! بنى نظام مبارك استقرار استبداده على الاستقطاب بين نفسه وبين الإسلام الحركي.. هو بنفسه اختار غريمه، اختار خصمه، اختار منافسه ومنازعه على السلطة. اليوم نعرف أن اختياره كان موفقا، فقد كانت الجماعة المحظورة وقتها هي فزاعة النظام للحفاظ على استمراره.. فزاعة يمكنه أن يشرعها في وجوهنا نحن دعاة الديمقراطية كلما زادت حدة الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، ويمكنه طيها أيضا وقتما يريد بدعوى أنها محظورة. فيما بنت الجماعة المحظورة شعبيتها على طرح نفسها كبديل عن النظام اللاديني وفقا لخطابها النظام الذي لا يراعي حرمة ولا دينا. وطوال الوقت وقفنا نحن – الديمقراطيين – بجانب الجماعة.. كنا نرد على مزاعمه بالوقوف على سلم نقابة الصحفيين تنديدا بحبس قياداتها ومطالبة بحقها كحق الجميع في أن يمارس السياسة. كنا طوال الوقت شوكة في ظهر الاستقطاب الذي يصنعه خطاب النظام الحاكم، هذا قبل أن تصبح تلك الجماعة هي النظام لتتحول هي نفسها لشوكة بل خنجرا في ظهورنا! خطاب التخويف هو الخطاب السائد لدى طرفي المنافسة الآن، كما لو أن الطرفين قد اختارا بعضهما مرة ثانية، لم يكن لأيهما أن يصبح «مشكلة» في الحياة السياسية لو كان له منافس آخر ينتمي لغير النظام (شفيق) ولغير ظله (مرسي). لم يكن للمصريين أن يجدوا أنفسهم وسط «الأزمة» لو تم تغيير أحد الاثنين بحمدين صباحي أو عبدالمنعم أبو الفتوح مثلا. أكاد أجزم أن شفيق أو مرسي لو كانا مخيريْن في اختيار طرف المنافسة في جولة الإعادة لما اختارا غير بعضهما.. لا شفيق ولا مرسي يستطيعان منافسة آخر ممن لا ينتمون لنظامهما لأن خطاب التخويف والاستقطاب سوف يسقط من تلقاء نفسه. لأن فزاعة الإسلام السياسي هي الحيلة الوحيدة التي يمكن لشفيق اللعب بها للتغطيه على كونه رمزا لنظام مبارك وكان ليفقدها لولا وجود مرسي معه في الإعادة. ولأن فزاعة النظام القديم أيضا هي الحيلة الوحيدة التي يلعب بها مرسي للتغطية على كون الجماعة لديها صرعة للاستيلاء على مفاصل الدولة وكان ليفقدها لولا وجود شفيق معه. وما بين الطرفين جمهور من المصريين يهرع للتصويت لشفيق «خوفا» من الإسلام السياسي و»خوفا» على الدولة التي يراد تغيير هويتها، ويهرع للتصويت لمرسي «خوفا» من إعادة النظام مرة أخرى و»خوفا» من أن يكتب شفيق السطر الأخير في الثورة. الطرفان يعيدان إنتاج الاستبداد.. يشاركان في إعادة النظام القديم.. ليس صحيحا أن شفيق وحده هو ممثل النظام القديم.. شفيق ومرسي هما معا وجها النظام القديم. خطاب التخويف لا يصنع مستقبلا، لأن المستقبل لا يسكن جمهوريات الخوف. الشعوب لا تصنع مستقبلها خصوصا في لحظة مفصلية كهذه على الخوف وإلا أقامت إلى الأبد في جمهورية الخوف. الشعوب تصنع مستقبلها فقط حين تتخلص من مخاوفها وحين لا تستجيب لخطاب التخويف. ثورة يوليو بنت مجدها في السنوات الأولى على الطموح وعلى الأمل في المستقبل، ذلك قبل أن تنزلق مرة أخرى لخطاب التخويف الذي بررت به استبدادها، مرة بالتخويف من «الثورة المضادة» ومرات بالتخويف من «الإمبريالية العالمية» و»الإخوان» و»الشيوعية الهدامة»، ثورة يوليو أجبرت الشعب على التماسك وتوحيد الصف نتيجة الخوف وليس نتيجة الأمل والطموح المشترك، لهذا انفرطت الوحدة وانحلت لحمة التماسك بزوال مبررات الخوف أو بتكشف أن تلك المبررات كانت محض وهم. الفارق بين مرسي وشفيق (وجهي النظام القديم) وبين البرادعي هو الفارق بين جمهورية الخوف وجمهورية الأمل. البرادعي يصنع أملا في نجاح الثورة وأملا في التحول للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي نحلم بها. البرادعي الذي أصبحت نظارته رمزا لرؤية المستقبل يواجه خطاب التخويف بخطاب الأمل.. بخطاب يثق في الشباب وقدراتهم.. بخطاب يثق في الغد.. يثق أن مصر مؤهلة لأن تكون دولة عظيمة بشبابها.. مصر دولة شابة عمرها آلاف السنين.. ولأن شبابها لم يعد يخيفهم شيء.. لم يعد يخيفهم النظام ولا ظله.. لم يعد يخيفهم الاستبداد باسم الوطن ولا الاستبداد باسم الدين.. فإنهم يثقون في البرادعي.. ويثقون في ثقته بأن النصر هناك في الأفق.