جدة – طلال عاتق لا أدري من حولني إلى «البلاد» وأنا طلبت «المدينة» من أهم أسباب نجاحي أنني لم أسأل كم سآخذ إلى يومنا خرجت من اقرأ وقلت: «خلاص».. انتهت الحفلة القصيبي حرضني على إصدار «العالم رحلة» عن رحلاتي إلى الربع الخالي واليابان صديق قرأ كتاب «إمبراطور النغم» في يومين.. وبعث لي شيكاً بثلاثين ألف ريال من أجل طبعة ثانية إياد مدني دخل الصحافة من باب كشفه «السرقة الأدبية» ينبغي أن نعترف أنَّ هذا الحوار، الذي نقدم هنا جزأه الثاني، ما هو إلا جزءاً ضئيلاً من العالم الضخم الذي يشغله هذا العلم البارز، وهو بمثابة ضوء صغير يحاول أن ينبش في بعض الزوايا الغامضة من مسيرة الدكتور عبدالله مناع الحافلة بالأسرار والمغامرات السعيدة والحزينة في آن واحد. هنا، يسرد الأديب مناع حكايته مع شارع الصحافة الذي انتهى به في مجلة «الإعلام والاتصال»، وكيف وصل به الأمر إلى «الإقالة» مجدداً. إلى التفاصيل: * بعد عام 1972 تركت الطب، وتفرغت للصحافة، حدثنا عن هذا المنحنى المهم في مسيرتك. - قبل ذلك، في عام 1964، قال لي مسؤولون في جريدة «المدينة»: نريدك معنا، حين كانت جريدة الشعب، وهي التي قادت بناء جامعة الملك عبدالعزيز. قالوا لي نريدك معنا بانتظام ودوام، مع مقال كل خميس، وعمود يوم الجمعة، وصفحة يوم الإثنين اسمها «الباب المفتوح». هذا وعمري 26 سنة. بعد ذلك بفترة، وجدت نفسي في مؤسسة «البلاد». كيف حدث ذلك، ومن قام به؟ لا أدري من حولني إلى «البلاد»، وأنا طلبت «المدينة». وجدت نفسي وسط أناس لهم فلوس ورأس مال كبير، وأنا الوحيد فيهم الذي لا منصب له ولا مال. طلبت الاعتذار فقالوا كيف تعتذر، وهذا قرار جاء من الوزارة. المهم أنهم حددوا عشرة آلاف ريال من كل واحد كي يصبح عضواً في مؤسسة «البلاد». قلت: ما عندي عشرة آلاف، فقال أحدهم أنا أعطيك العشرة آلاف، وأنت سددها، وإلى الآن لم أسددها. المهم أن الفلوس دفعت، وبدأت قصتي مع البلاد ومرحلة الصحافة بشكل عام «شوف يا طلال.. من أهم أسباب نجاحي أنني لم أكن أسأل كم سآخذ إلى يومنا»، والمهم أننا فكرنا في شيء جديد يتسع لمقالات الشباب وحريتهم، فأنشأنا مجلة «اقرأ»، وفعلاً كانت المجلة قوية وكبيرة، وأنا الذي أسستها. العدد الأول لم يعجبني لأنه لم يكن لدي إمكانيات مادية، لكن من العدد الثاني وما بعد، إلى الخامس، صارت المجلة السياسية الثقافية الأولى، وكنت رئيس تحريرها، وبعد سنة تقريباً صدر قرار فصلي، ثم عدت، ثم فصلت، ثم عدت للمرة الثانية بعد 1979م، وفصلت في 1967، ولا أدري كيف رجعت ثم عدت في عام 1979. أنا من سياستي لا أحب المحررين الكثيرين، فأنا أختصر. مجلة «اقرأ» التي مازالت ذاكرتها في النفوس كانت تعمل ب12 محرراً فقط، أما قينان فهو يحب التوسع يعني يريد أربعين، أو خمسين محرراً. أنا ما عندي هذا الكلام. * وماذا بعد الخروج من «اقرأ»؟ - خرجت من اقرأ، وكان هنالك بعض الأخوان يقولون لي «لازم تعود، فقلت: لا، خلاص. دخلنا وخرجنا أربع أو خمس مرات، يعني انتهت الحفلة». جلست في البيت، لكن أعضاء المؤسسة كانوا يرون أنَّ الإقالة ظالمة، وبعدها في أول اجتماع لمؤسسة «البلاد» رأوا من باب الإنصاف تعييني عضواً منتدباً لمجلس إدارة «البلاد» للطباعة، وبعد أيام وجدت نفسي في مكان آخر، ومكتب آخر تحت مسمى آخر في مطبعة دار البلاد. وعدت للكتابة بعد ما سمح لي عبدالله الحصين رئيس تحرير «المدينة»، فاستجبت وكتبت سلسلة مقالات فيها شيء من الفكر، وبعدها أصدرت كتابي «العالم رحلة» عن رحلاتي للعالم، وكان من أهمها رحلتي في الربع الخالي، ورحلتي لليابان، وكان يحرضني على جمعها الدكتور غازي القصيبي. بعد ذلك أخذها السفير الياباني في جدة، وترجمها إلى اليابانية. الكتابة أشهرتني إلى جانب إدارة مطبعة البلاد. * وماذا عن بقية المؤلفات؟ - في عام 1992 مات محمد عبدالوهاب، وكتبت في ملحق الأربعاء مقالين عنه، واعتبرت المقالين بداية للكتابة عنه بشكل أوسع، عن حياته ومن جلس معهم في حياته، مثل أحمد شوقي، ثم تقربه في ما بعد إلى الشعب والمواطنين، ومن ثم جاءت الثورة، وكان خير من عبر عنها، هذا الجزء هو الذي جعلني أكتب عنه، وبعد هذين المقالين كتبت في بيتي باقي الحلقات إلى أن أصدرت الكتاب الهيئة العامة للكتاب في مصر، وكان وقتها سمير سرحان هو المسؤول عنها، فصدر الكتاب تحت عنوان «إمبراطور النغم»، وحرصت على ألا ينشر داخل المملكة، لعدة أسباب، ومنها السبب الديني. الكتاب حقق نجاحاً كبيراً، وبعضهم اشتراه من تونس، ومن بيروت، ومن الإسكندرية، وأهديته ل25 شخصاً من أصحابي، وأحدهم عزيز ضياء، الذي لم ينم إلا بعد قراءة الكتاب. وصديق آخر لن أذكر اسمه قرأ الكتاب في يومين، وبعدها بعث لي شيكاً بثلاثين ألف ريال، وقال لي هذا الكتاب لابد له من طبعة ثانية، لكنني لم أفكر بعمل طبعة ثانية، وهناك كتاب ثانٍ نشرته قبل ذلك عن طريق جمعية الثقافة والفنون، وكان يرأسها صديقي محمد الشدي. بعد ذلك، كنت أقوم ببعض المحاضرات، ومنها محاضرات في جامعة الملك عبدالعزيز، وكانت إحداها بعنوان «الموسيقى وأثرها على الشعوب»، والمهم أنني كتبت المحاضرة، فقالوا لي إنهم يريدون نشرها، فرفض المدير واعترض على مقدمة المحاضرة، وطلب مني تعديلها، فاعتذرت، وقلت إذا كان هناك اختلاف على المقدمة، فسيكون هناك اختلاف على الموضوع كله، واختلفنا، ولم تنشر. وأعتقد أنها محفوظة إلى الآن. * كيف انتهت علاقتك بمؤسسة البلاد للصحافة والنشر؟ - تركتها، لأنهم كانوا يشكون في أنني أتربص بهم. قدمت استقالتي في عام 1998، 1999م، وقمت بإنشاء هذا المكتب الصغير الذي تجلس فيه الآن، أكتب وأنشر من هذا المكتب، لأنني توقعت أنها ستكون المحطة الأخيرة بالنسبة لي. قدمت استقالتي في ذلك العام، وتركتهم، وكان وقتها مدير المؤسسة عبدالعزيز حنفي. * وكيف بدأت قصتك مع مجلة الإعلام؟ - في ذلك الوقت، ترك إياد مدني «عكاظ»، وهي في قمة نجاحها. وأذكر أنه في ذلك العام كانت أرباحها 27 مليون ريال، وكان يعتبر مبلغاً ضخماً، وهو كان المدير العام، أما رئيس التحرير فكان هاشم عبده هاشم. وذهب بعد ذلك إلى مؤسسة أنشأها هو، وبدأ يشتغل على بعض المطبوعات في التقويم والشوارع والميادين، وكان هناك مجلة اسمها «استجواب»، وكانت سعودية لبنانية، وهي مجلة جديدة، وكان يستدعيني بين الحين والآخر من أجل كتابة بعض التقارير. * وكيف تطورت العلاقة وصولاً إلى مجلة الإعلام؟ - كنت أعمل معه في مؤسسة «فكرة»، أقيِّم المطبوعات التي تطبع، وكيف تحقق نتائج أفضل، وكنت أكتب عن هذه المجلة وأقيِّمها، وأنا حقيقة معجب به، وهو دخل الصحافة من خلال رصده لأحد الكتاب المعروفين، الذي سرق مقالاً، وهو الذي ألقى عليه القبض. على أية حال، جئنا هنا، وجلسنا لسنة، أو سنتين، ورأيت أنها لم تحقق مكانة كبيرة. والأستاذ كان مدير عام مؤسسة، وراتبه جيد، وكنت أنا قلقاً ألا تخرج بالصورة المأمولة. يعني قلق الأصدقاء. ثم جاءت الوزارة برغبة إعادة مجلة الإذاعة إلى الذاكرة، لكنها أرادت أن تنتجها عن طريق القطاع الخاص، بعيداً عن الموظفين الحكوميين، وكان وزير الإعلام في ذلك الوقت الدكتور فؤاد الفارسي، ووكيل الوزارة الدكتور عبدالله الجاسر. المهم أنَّ الوزارة تريد تكليف أحد من القطاع الخاص. اقترحوا مواصفات معينة، لكن إياد استعان بي، وقال لي كيف ندخل في هذه المنافسة، وجلسنا نفكر كيف ندخل بشكل مقبول. المهم أنه قدم العرض، ونجح، وأرسيت المسألة، وكنت مؤسس الفكرة، وبعدها كانوا يريدون اختيار رئيس تحرير، مثل علي حسون، ومحمد صادق دياب، يعني «نخبة حلوة»، أما أنا فقررت أنَّ المحطة التي أغادرها لا أرجع إليها. اجتمعوا مرة واثنتين، وفي اللجنة العليا وضعوا قائمة أسماء، ثم قائمة ثانية، حتى قال أحد أعضاء اللجنة: أنا لدي اسم إذا رضي أن يكون رئيس تحرير فسيكون في المكان المناسب، فقالوا من هو، فقال الدكتور عبدالله مناع، والذي قال هذا الكلام هو معتوق شلبي، الذي اتصل بي، وقال إنَّ اللجنة اختارتني رئيساً لتحرير مجلة الإعلام، وهذا الكلام جرى سنة 1990. وحينها قلت للدكتور عبدالله الجاسر إنَّ الموضوع هذا «شلته من راسي، ولا عاد فكرت فيه»، فقال «يا أخي أنا أطلبك وأنا وكيل وزارة، فقلت أعطني خمسة أيام للتفكير». وأنا اخترت خمسة أيام لأزور أصدقائي الحقيقيين الخمسة، وكلهم بإجماع قالوا توكل على الله، فتوكلت على الله، فكانت مجلة تفاجأت الوزارة بأنها خرجت بهذه القوة. * هل تعاقدت معهم لسنتين فقط؟ - لا، التعاقد كان مفتوحاً، لكن الوزير الدكتور فؤاد فارسي أقالني. المجلة كانت مجله جريئة، وهي تقريباً مثل مجلة «اقرأ»، ولكن بشكل آخر. * وما هو سبب الإقالة؟ - سبب الإقالة مقال وقصيدة. المقال سياسي لتركي الحمد، والقصيدة لثامر الميمان. في تلك الأيام حدثت حمى الضنك نتيجة «الناموس»، وحمى الوادي المتصدع نتيجة اللحوم الفاسدة التي كانت تدخل عن طريق البوابة الجنوبية في جازان، ومع أنَّ القسم البيطري في بلدية جازان اعترض عليها، فقد حدث ما حدث، ومات الناس. وكتب الميمان أيامها قصيدة «الناموسة»، وقرأها لنا ونحن في الطائف، وكانت معنا مجموعة من رؤساء التحرير، ومنهم عبدالله العمري، والدكتور أحمد اليوسف، وخالد المعينا، وكان معنا أحد الأخوان من «الرياض»، أو «الجزيرة». قرأ القصيدة، فأعجبتني، ونشرتها. وكان وزير الصحة أيامها أسامة شبكشي، فغضب الدكتور الفارسي، وقال كيف ينتقد وزير الصحة، وقال «لازم يقيلني»، وكلمني الدكتور عبدالله الجاسر بحكم الصداقة، وقال إنَّ الوزير زعلان، فقلت: لا، لا، أنا بعد خمس دقائق تكون ورقة الاستقالة عندك. أنا كنت وقتها سعيداً بما قدمته للمجلة. بعد ذلك أتوا بالدكتور زامل أبو زنادة رئيساً للتحرير، وبعدين سنة، أو سنتين، كان الدكتور فؤاد الفارسي «مغرماً بمحمد صادق دياب، ويريده، لكن محمد دياب كان عنده مجلة، فقال نأتي بأخيه أحمد. لكن المسألة ليست محمد، أو المناع، والمسألة من أنت، وما هو فكرك. ولم تتوقف المجلة إلى الآن، وهي برئاسة الدكتور عبدالله سلمان، وتصدرها الآن المؤسسة العامه للأبحاث. طبعاً، كان عبدالله سلمان رئيس تحرير، وهو إنسان مؤهل وكبير، وصاحب قلم، لكن الصحافة الحقة تحتاج قدرة رئيس التحرير على منافسة الخطوط الحمراء، وإن لم يكن قادراً على منافسة الخطوط الحمراء فليبقَ في بيته. * متى تركت مجلة الإعلام؟ - تركتها عام 2002م، وتفرغت لعملي الذي تشاهده الآن. لجنة جائزة «اقرأ» الكبرى في مكتب عبدالله مناع رئيس التحرير
مع الكاتب الإيطالي ألبيرتو مورافيا في روما عام 1966
مع وزير المالية السابق محمد أبا الخيل في مجلة «اقرأ» (الشرق)