أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    وزير الموارد البشرية: إنجازات تاريخية ومستهدفات رؤية 2030 تتحقق قبل موعدها    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    وزير النقل: انطلاق خدمة النقل العام بتبوك منتصف العام القادم    المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع يختتم فعاليات نسخته الثالثة بالرياض    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    بدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين السعودية وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وزير الصناعة: 9.4 تريليون ريال موارد معدنية في 2024    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدة «مارلين مونرو» التعيسة والكل يريد قطعة
ما حدث في قويزة مجموعة فساد والرويس ليس عشوائياً .. د. عبد الله مناع يمارس شقاوته على أبواب السبعين ل «عكاظ» :
نشر في عكاظ يوم 11 - 12 - 2009

يبدو أن الدكتور عبدالله مناع لم يعد ذلك الرجل الذي يقول كل شيء ولا يخاف من أي شيء.. تحدثت معه على مدى ساعتين لأول مرة فاضطررت لإقفال جهاز التسجيل ست مرات، لأن حديثنا وصل إلى مرحلة من الصراحة وكشف الأوراق وكأننا نجلس في (ساعة صفا) وخرجت من مكتبه في حي الرويس وأنا أسأل نفسي: هل سينشر هذا الحوار أم لا؟.. ولم تطل بي الإجابة فقد هاتفني أكثر من مرة على غير عادته وهو يقول ضاحكا: يبدو أنك قرأت علي شيئا يا بدر.. فلنراجع ما قلناه. ترددت في البداية، لكنني وافقته على شرط أن يضيف ولا ينقص، ليخرج هذا الحوار، بعد عملية تجميل قيصرية على يد طبيب الأسنان المعروف وصانع نجاح مجلة اقرأ، مليئا بهمومه كمواطن أكثر منه كمسؤول.. وصف بروحه الساخرة مدينة جدة بنجمة هوليود الراحلة مارلين مونرو، التي ظلت تعيش في تعاسة، وقال بأن ما حدث من كارثة السيول في قويزة يكشف عن (مجموعة فساد) بدأت ولن تنتهي.. وأن العروس خذلت في فترة الأمين الأسبق خالد عبدالغني رافضا تحميل الفارسي مسؤولية ما حدث.
المناع الذي يعتبره البعض بوقا للقومية مازال يغني على ليلاه، ويعتبرها مشروعا ناجحا، وأن الوحدة التي تبنتها أجهضت بالمؤامرات والأخطاء.. تحدث بسعادة عن واقع نادي الاتحاد الذي ترأسه مرتين بنظام الفزعة واشتداد عوده من مؤامرات الأمس، ولم يترك كعادته تمرير الرسائل المباشرة لكل من الخياط وأبو السمح المناع اليتيم المولود في مدينة وصفها باليتيمة دائما مازال متعلقا بذاكرة المكان والزمان في حارة البحر التي أصبحت أثرا بعد عين.
لم تكن الحياة مع اليتم والفقر هينة لينة في طفولتي التي عشتها في حارة البحر في جدة، فقد عرفت الكدح والتعب والسعي وراء الرزق في مرحلة مبكرة من عمري برفقة شقيقي، لكن الحياة مرت بعلقمها ومباهجها الصغيرة لأتخرج في المرحلة الثانوية وأحصل على بعثة لدراسة الطب في مصر، فكانت استدارة الحياة الأجمل إذ عشت في مصر ومدينة الإسكندرية تحديدا واحدة من أهم مراحل حياتي، فقرأت للعقاد وطه حسين، واستغرقتني رغم صعوبة دراسة الطب قراءة الترجمات العربية للروايات العالمية، خصوصا في السنة النهائية في كلية طب الأسنان، وحضرت الكثير من حفلات أم كلثوم وتعلقت بالانفتاح الفكري الكبير وتتلمذت صحفيا من قراءة الصحف المصرية اليومية والحياة الثقافية الزاهرة، فكنت أقرأ لتوفيق الحكيم وهيكل في الأهرام وكامل الشناوي والورداني ويوسف إدريس في الجمهورية والتابعي فالعقاد في الأخبار ومصطفى محمود وأحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس وعبدالرحمن الشرقاوي في روز اليوسف، إضافة إلى ما كان يكتبه موسى صبري واستحوذ على اهتمامي، كما تعلق قلبي بالحب ولكن فرحته لم تكتمل بسبب العلاقات المتوترة مع مصر التي خلفتها حرب اليمن فعدت لأتزوج وأستقر وأخوض تجربة العمل الصحفي في جريدتي البلاد والمدينة، إلى أن توليت مسؤولية مجلة اقرأ التي صنعت وجها جديدا للصحافة السعودية حتى غادرتها، لتصبح كما أرادوا لها أن تكون مثل القهوة السادة وكأني بهذا القدر يطاردني حتى في مجلة الإعلام والاتصال لأعلن استراحة المحارب بعد أن دخلت العقد السابع، لعلني أسابق عجلة العمر بعمل يضيف لجدة المدينة التي أحببتها وعشقتها وعاشت شيئا من الشدة في ما مضى من أيام.
• مادام لقاؤنا يتم في حي الرويس، الذي أثير حول مشروع تطويره الكثير من اللغط، فهل لي أن أسألك بحكم مشاركتك في اجتماعات تطوير الحي عن سبب مقنع يجعلنا نبدأ بالرويس ونترك أحياء عشوائية في جدة أكثر احتياجا للمعالجة والتهذيب؟
لأن الرويس الذي كان يقع في الطرف الشمالي الغربي منها في الماضي والبعض كان يمده إلى طريق المدينة بل وإلى بني مالك أحيانا أضحى اليوم في قلب جدة، وكنت قد اعترضت على أن الرويس ليس حيا عشوائيا وأنا مندهش من هذا التصنيف لأن الأحياء العشوائية في جدة هي غليل والكرنتينة والنزلة الجنوبية وقويزة، وفي اللقاءات التي حضرتها بخصوص تطوير الرويس، قلت للمهندس عادل فقيه أمين جدة: أنتم تبيعون المدينة، وأنا أستغرب سرعة إنهاء إجراءات الحي في سنة واحدة بعد أن تلقيت منهم مجلدا في ستمائة صفحة وكما تعرف فهذه ليست طريقة الحكومة والتي عادة ما يكون يومها بسنة وأكثر، ولكن لأنه مشروع استثماري وفيه بيع أراض فقد تم بسرعة، وكما تعلم فإن جدة هي مارلين مونرو الدنيا وكل واحد يريد قطعة منها، ومما غاظني أكثر أن الشركة القائمة على المشروع لا يتجاوز رأس مالها 250 مليون ريال فقط ونقوم بتمليكها منطقة شمالها شارع فلسطين وغربها طريق الأندلس وشرقها طريق المدينة وجنوبها طريق الملك عبدالله، ووجدت نفسي مثل النغمة النشاز أنا في واد والناس في واد آخر فسكت حتى قرأت مقابلة الأمير خالد الفيصل في صحيفة الوطن قبل كارثة المطر عندما قال: إن مشروع الرويس لم يعتمد له شيء، فكتبت مقالا شكرت فيه سموه وأوضحت أن ما يمكن أن يطلق عليه عشوائي في الرويس هو الجزء الجنوبي فقط من الحي، ولو قامت الأمانة بفتح شارعين متعامدين من الشرق إلى الغرب لانتهت عشوائية الحي، ولكن لا يمكن أن يقال عن كل العمائر الموجودة في الحي إنها عشوائيات، والطريف أن أحد أصدقائي بعد كتابة المقال وحدوث كارثة قويزة بيومين أرسل لي رسالة يقول فيها (أحزان جدة تصدق المناع).
• لو كنت رئيسا لتحرير «اقرأ».. ماذا كنت ستكتب عن ما حدث في الثامن من ذي الحجة؟
عندما علمت أن هناك مجرى سيل يمر من داخل الحي فهذا يعني أن الأمانة تملك تفاصيل عن الحي أكثر من ذلك، فكيف سمحت بتمليك أراض وبنائها في هذا المكان، ولو فرضنا أنها وافقت على البناء في حدود ضيقة نظرا للفوضى التي تعرفها وأعرفها فلماذا سمحت بالبناء في هذا المجرى تحديدا.
• أنت تحملها المسؤولية كاملة وهناك من قال إن سكان الأراضي يتحملون جزءا كبيرا؟
من حمل سكان الأراضي المسؤولية يستحق قطع رقبته، وهؤلاء المساكين لم يرمهم على المر إلا الأمر منه ولو وجدوا مكانا غير هذا المكان لذهبوا إليه، صحيح أن ما حدث ليس تسونامي ولم يكن كالعاصفة البحرية التي ضربت مسقط لكنه يمثل في رأيي (مجموعة من الفساد)، وأنا لا أضع الحمل كله على الأمانة التي يمكن أن تقول فيها ما تشاء من الغرور والتعالي وعدم الاهتمام بما يجري، لكن قل ما تشاء أيضا عن وزارة المالية التي يقال أنه كلما رفع لها مشروع عن جدة دخل في متاهة لا ينتهي منها.
• ما تقوله عن الأمانة ليس وليد عهد الأمين الحالي فقط؟
أعتقد أن المصيبة كبرت من أيام الدكتور خالد عبدالغني الذي ظل أمينا لجدة عشر سنوات وثمانية أشهر، وقد زرته في مكتبه بناء على طلبه قبل أن يغادر موقعه، فطلب مني أن أكتب له رؤيتي بشأن ما تحتاجه جدة من مشاريع ذات أولوية، ليتم تنفيذها من ميزانية الأمانة، وعندما قدمتها له في اليوم الثاني ومن ضمنها فكرة بسيطة لا تكلف شيئا لفتح عبارات إضافية لدخول مياه البحر لبحيرة الأربعين ولم يحدث شيء، ثم فاجأنا باستقالته، وأعتقد أنه كان متضايقا من عدم حب الناس له وأولهم تجار غرفة جدة، الذين قالوا لي صراحة إنهم لن يساهموا في أي مشروع في جدة مادام خالد عبدالغني موجودا.
• بمعنى أن جدة تدفع الثمن دائما سواء كانت ظالمة أو مظلومة؟
بل قل أبعد من ذلك، فجدة تبدو كاليتيمة لا أب لها ولا أم، وكل واحد يريد منها قطعة مثل مارلين مونرو، كما قلت لك، وجدة تظل جميلة ولكن أصحاب الجمال دائما ما يعيشون ويموتون تعساء.
• لكن الملاحظ أن هناك علاقات جيدة بين كبار الصحفيين وأمانات المدن؟
المسألة تتراوح بين علاقات مصلحية وعلاقة فكر ورأي.
• لو أخذتك مثلا، فأنت لم تهاجم أمناء جدة كثيرا عندما كنت رئيسا لتحرير مجلة اقرأ؟
أنا كنت دائما أقول خلونا نطبطب عليهم علشان يعملوا حاجة لجدة، وقل لي بالله ماذا قدم لجدة مثلا الدكتور عبدالفتاح فؤاد الذي بقي في موقعه ثمانية أشهر فقط وكان مسؤولا قبل ذلك عن مصلحة الصرف الصحي في المدينة المنورة.
• على الأقل الرجل لم يبق في منصبه بما يكفي لانتقاده كما فعل صديقك الحميم الدكتور محمد سعيد فارسي الذي تهربت من انتقاده، مع أن الكثير يحملونه مسؤولية ضعف البنية التحتية بالمدينة؟
جدة كانت حلم ومشروع محمد سعيد فارسي، ولكن لم يمنعني من انتقاده بقسوة وبأسوأ ما يمكن عند حدوث بعض الأخطاء في فترته وزعل مني بسبب ذلك، لأنه كان يقول إن لديه فلسفة ويريد أن يطبقها بأن يلحق لتخطيط وفتح شوارع جديدة قبل أن توضع الأيدي على الأراضي البيضاء فكان يقيم مشاريع في مناطق ليس فيها نافخ للنار وكان يأخذني معه أكثر من مرة لهذه المناطق، فقلت له: إن الناس لن تنتظر حتى تعرف فلسفتك.. فكان يقول: خلينا نسوي ميادين وشوارع أولا ولا نبعثر فلوسنا في أشياء أخرى الآن، وفي اعتقادي أنه أخطأ بإهماله لجدة القديمة التي كانت تنتهي عند شارع فلسطين واتجاهه لتنظيم وتخطيط الشمال الذي اعتبره مستقبل جدة ولكنه عندما عاد اليها .. جعل منها فردوسا.
• ألا يتحمل مسؤولية معاناة جدة مع مياه الأمطار والسيول؟
الدكتور فارسي ظل الوحيد الذي يحرص على تطبيق الرؤية الجمالية في بناء المدينة وظل يعترض دائما على حفر الشوارع، ولكنه ليس صاحب القرار الأخير لكي يقول المهندس يحيى كوشك عندما تولى مسؤولية مصلحة المياه والصرف الصحي إن أبا هاني هو من يعترض على المشروع، ثم اكتشفنا بعد فترة أن المهندس كوشك يترك منصبه ومسؤوليته ويتجه للطب البديل وهو أمر فادح من مسؤول لم يقنعني بكلامه الذي كان يقوله عن عرقلة الفارسي لمشاريع الصرف الصحي.
• كأنك تتهرب من الإجابة وأنت تعلم ما يقوله الأهالي عن جدة بعد الفارسي بأنها: من بره الله الله ومن جوه يعلم الله؟
أنا معك في هذا التشبيه في جزئيتي الصرف الصحي وتصريف مياه السيول والأمطار.
• المعروف عنك تمردك على واقعك وآراؤك الحادة والقاسية التي أفقدتك الكثير من الأصدقاء؟
تستطيع تقول إنني خسرت الكثير من المناصب أو احتمالات أن أكون في منصب مهم ولكنني لا أشعر بأسف تجاه ما فعلت، وقد قدمت ما كان بوسعي وتمنيت لو قدمت أفضل من ذلك.
• تعرضك للإيقاف أكثر من مرة كرئيس تحرير، ألا تعتبر ذلك تهورا خسرت بسببه الكثير؟
ليس تهورا، بل كنت دائما من الناس الحريصين، أو هكذا هي طبيعتهم مع أنفسهم، وقد لا يكون ذلك صائبا ويختلف حوله البعض، لكن مجموعة الأشياء التي آمنت بها طوال عمري الذي وصل للسابعة والستين حتى الآن لها علاقة بما قرأته كثيرا جدا وبما كتبته كثيرا جدا أيضا، وظللت في معظم ما كتبت وقلت مهنيا وواقعيا وإن كنت لا أخفي أنني جاملت أحيانا بعض الأسماء والشخصيات لأسباب وظروف، لكنني في الإجمال كنت شديد الحرص على أن أعبر عن خلاصة ما أراه وأقتنع به سياسيا واجتماعيا.
• لكن قناعاتك لا تمر دائما إلا من خلال الخطوط الحمراء؟
ليس عندي خطوط حمراء إلا في ثلاثة أمور فقط، هي الدين والملك والوحدة الوطنية، وهذا البلد لا يمكن أن يتطور خارج دينه أبدا.
• أمازلت ثورجيا وقوميا؟
لن أكفر بما آمنت به لأن إعجابي بها لم يكن مجانيا، فالقومية كانت مشروعا جاء في موعده.
• الغريب أنك تتمسك بفكرة هزمت بين أصحابها ومؤسسيها؟
هزمت التجربة سياسيا فقط بسبب أخطائها الداخلية من جهة ومؤامرات وتكالب الرافضين لها من جهة أخرى خوفا من وجود دولة كبرى عربية، لكنها مازالت رغم ذلك مشروعا ناجحا للوحدة القومية والرأسمالية الوطنية التي تعتمد على قوى الشعب العاملة وليس ملاك الأراضي وقد استهوتني الفكرة، والحقيقة أن رجال أعمال مثل الشيخ محمد علي أبوداود وعبدالله هاشم وعبداللطيف جميل يعتبرون رأسمالية وطنية لأنهم أرادوا خلق فرص عمل للآخرين بجانب ربحهم في السوق.
• أي وحدة يادكتور هذه التي دعت أصدقاءك للجدل معك بلا طائل؟
تقصد أبو السمح، دعك منه فهو رجل لا يصنف بأي شيء إطلاقا، وقد تجادلنا كثيرا حول الوحدة، ولكنني لم أصل معه إلى نتيجة، ولكن قل لي من الذي يستطيع الآن أن يحقق الوحدة حتى على مستوى الوطن الواحد، وأين نحن منذ حرب أكتوبر عام 1973م واتفاقية كامب ديفيد الأولى بعد أن أصبحنا أمة عربية بلا مشروع ولا قضية وليس هناك فكرة نلتف حولها. الأمة في حالة توهان كبيرة.
• وعبدالله خياط أيضا؟
نحن نسير في خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا وهذا رأيي فيه.
• لماذا يتفاوت سقف الحرية الصحافية في الصحف السعودية دون حدود واضحة؟
سقف الحرية يعتمد على رئيس التحرير، وما أراه أن هناك تخوفا ومبالغة في التخوف أحيانا خصوصا في انتقاد وزراء القطاعات الخدمية التي تمس مصالح المواطن.
• ماذا تقصد عندما قلت إن الصحافة كانت أصدق في ما تنشر وأكثر إخلاصا في ما تقول؟
الذي أراه بكل أسف أن لدينا اليوم حجما كبيرا من الكتاب لا هم لهم في الغالب إلا الإعلان عن أنفسهم والتقرب لأي صاحب إدارة، حتى لو كان أمين مدينة جدة، ولذلك يظل الكتاب الجريئون والصادقون قلة في بلادنا.
• مثل من؟
تركي الحمد وعبدالله بخيت وعبدالله الغذامي في مجاله وكذلك سعيد السريحي فقد كانت في كتاباته نظرة جيدة، ولا أنسى داود الشريان أيضا وقينان الغامدي وعثمان العمير وعلي العمير وثامر الميمان ومشعل السديري الكاتب الفنان ولكنه يغيظني إذا كتب في السياسة لأنها ليست عالمه، ومن النساء الدكتورة فوزية أبو خالد وفاطمة شاكر ولا تحضرني بقية الأسماء التي لا يتجاوز أصحابها العشرة تقريبا، ويظلون قلة تاهوا وسط الكثرة ونحن في مرحلة نحتاج فيها إلى تخفيض عدد الكتاب لتجاوزهم عدد القراء، ومن الطرافة أن الإخوة المصريين يقولون إن كتاب إبراهيم نافع الذين يكتبون مقاله أكثر من قرائه، ومن التشنيعات الأعظم التي أطلقت في هذا الاتجاه من عناوين مقالاتهم الشهيرة، أن الأهرام التي صعد بها هيكل (بصراحة) هبط بها إبراهيم نافع (بهدوء)، لكن الحقيقة يجب أن نبكي على زمن إبراهيم نافع لأن الأهرام مع سامي سرايا الآن تعيش زمن العجائب.
• بمعنى أن السير في شوارع المدن الرئيسية أسهل من السير في شارع الصحافة؟
بدون شك أنت تقصد الصحافة السعودية ولعلمك فبعض ما أقرأه فيها هذه الأيام يغيظني ويجعلني أشد شعر رأسي بسبب أن ما يسمى بالصحافيين في بلادنا زائدون كثيرا وأغلبيتهم موظفون وليسوا صحفيين.
• ألا يدفعك هذا الشعور للعودة لرئاسة التحرير مرة أخرى؟
لا أعتقد ذلك؛ لأن العمل الممتع الذي قدمناه في «اقرأ» جاء بجهد مجموعة من الزملاء كعبدالله باهيثم وفائز أبا وثامر الميمان وعمر يحيى وفتحي فرج وغيرهم.
• لماذا لم تتجه إلى فضاء الإعلام الإلكتروني مادمت تشعر أنك محاصر في سماء الإعلام المكتوب كما فعل عثمان العمير مع إيلاف؟
الإعلام الإلكتروني جاء مع مطلع عام 2000م عندما أصبحت رئيسا لتحرير مجلة الإعلام والاتصال حيث استغرقتني تجربة تقديم عمل إعلامي فيه مساحة حرية كاملة وتشارك فيه المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل وليس عليه رقابة أو تقنين لمن تستضيف ومن لا تستضيف ومن تستكتب ومن لا تستكتب، وهذه كانت شروطي لقبول المنصب التي وافق عليها الدكتور فؤاد فارسي وزير الإعلام آنذاك، وكتبنا في العدد الأول كلمة التحرير بشكل صعب وسيئ بغرض امتحان الوزير، وقد وافق ولم يعترض على شيء، وكنت راغبا في المغادرة بعد سنة لكن النجاح الذي حققته مجلة تصدر عن وزارة الإعلام وتسير في خط آخر دفعني للبقاء سنة ثانية.
• وجبتم العيد بقرصة الناموسة؟
الله يذكر الأخ ثامر الميمان بالخير، ولعلمك فقصيدته التي انتقد فيها السيطرة التامة على حمى الضنك لفت على كل الصحف ولم ينشرها أحد، فقبلت نشرها ليس من باب التحدي وإنما من منطلق حرصي على حماية الناس من الفاسدين بعد أن رفض بيطري جازان دخول الأغنام الوافدة على سفينة بعد كشفه عليها ثم نفاجأ بأن الحمولة كاملة أدخلت بطريق آخر فسقط الناس بسببها.
• خسرت علاقتك مع الدكتور أسامة شبكشي وزير الصحة آنذاك؟
أنا وفوزي شقيق الدكتور أسامة كنا زملاء وأصدقاء في الثانوية ولكن أن يموت الناس فلا، ولذلك نشرت القصيدة وفصلت بعدها من منصبي في المجلة.
• كيف تراها الآن؟
مرت بمراحل صعبة نسبيا ولكنها الآن مع الأخ عبدالله سلمان الذي كان يعمل معي مديرا للتحرير يمكن أن تعود، وهو من الأسماء التي رشحت في البداية لرئاسة تحريرها لكنها رفضت.
• ومتى انتصرت لنفسك من خلال قلمك؟
أنا لم أنتصر لنفسي يوما بقدر ما انتصرت لقضاياي، وأداة الإعلام هي حجم الحرية وليست في نظري مطلقة إلى عنان السماء وإنما حرية تمكنني وتمكن الناس من أن يقولوا رأيهم، ولاحظ أن التأييد ليس رأيا وإنما هتاف، وما أكثر الهتاف في صحفنا اليوم، أما الرأي فهو تقديم وجهة نظر مختلفة عن السائد، وصدقني فعليك أن تنسى الموضوع إذا الإعلام والصحافة بلا حرية.
• يقال إن «اقرأ» سقطت بسبب أنك تركتها بلا رئيس تحرير بعدك؟
هذا غير صحيح، فقد تركت فيها الأخ عمر يحيى وكان مشروعا صحفيا ممتازا، لكنه دخل في المسائل المالية ووقتها كان الشيخ محمد إبراهيم مسعود المتهم بالحرص فتوقفت خطواته عند هذا الحد، وأنا أستغرب كيف تأتي الفرصة لإنسان ويضيعها، وقد كنت حريصا دائما على أن أقبل بهذه الفرص لأنني أرى أن رئيس التحرير يقوم بعمل وطني، فلم أكن أشترط شيئا، بل إنني أكتب في الجزيرة حاليا ولم أطلب منهم شيئا فأصبحوا يرسلون لي ما يرونه مناسبا، وللعلم فمنصب رئيس التحرير أشبه بمنصب رئيس الوزراء، ومن الصعب أن تأتي كل يوم برئيس وزراء جديد.
• وهذا سبب أزمة رؤساء التحرير التي تمر بها بعض الصحف السعودية؟
لابد من إعطاء الفرصة لإبراز مواهب جديدة وممارسة التدوير حتى في عملية رئاسة التحرير وأنا أقصد رؤساء التحرير الحقيقيين وليس المزيفين، فهم أكثر من الهم على القلب ممن عرفناهم ومن لم نعرفهم.
• وأفضل وزير إعلام عملت معه؟
عملت مع الدكتور محمد عبده يماني لفترة قصيرة من 1975 إلى 1982م ورغم توقفي مرتين خلال وزارته إلا أنه كان أكثر إدراكا بمعنى الإعلام ودوره وعنده فهما لحرية الإعلام ويضحك أحيانا فيقول إن لكم الحرية في إن تمدحونا كما تشاؤون، لكنه لم يكن يعني ذلك، أما الأستاذ إياد مدني فهو حبيب إلى قلبي وهو لم يعطني لا مالا ولا جاها ولا منصبا أو أي شيء، بل إنه لم يستكتبني حتى في «عكاظ» عندما كان مديرها العام، لكنني سأظل صديقه وأحبه عن قناعة حقيقية.
• لماذا لم تنضم أو تبدي موقفا معلنا من هيئة الصحفيين مع أنك خارج دائرة المسؤولية الإعلامية؟
أنا أريد هيئة لها صفة النقابة لتمثل الصحافيين وتدافع عنهم بضراوة في كل قضاياهم وليس إدارة كما يريدها الأخوان في مجلس إدارتها الآن، لكن وجودهم بصفة مرحلية مقبول حاليا من أجل المبنى والتأسيس، ولكنها تحتاج في مرحلة مقبلة إلى صحافيين حقيقيين يجعلون منها نقابة.
• لو عرضت عليك رئاسة الاتحاد الذي توليت رئاسته مرتين في الثمانينات الهجرية فهل ستقبل؟
أنت تعرف أنني توليت رئاسة النادي على طريقة الفزعة بعد استقالة كل الأعضاء من منطلق حبي للنادي الذي كان يمر بحرب شعواء في تلك الفترة، خصوصا فترة الكوارث التي ترأس فيها النادي مازن فرعون وشقيقه غيث فانشغلا في أعمالهما الخاصة وتركا الحبل على الغارب ل(محمد مقبول) الذي عبث بالنادي وتاريخه ولاعبيه وكان مدفوعا ومدعوما ليقوم بذلك لتأتي إدارة عمي إسماعيل مناع رحمه الله ثم سمو الأمير طلال بن منصور حفظه الله، والحقيقة أن رئاسة النادي حاليا تحتاج لشخصية مثل الشيخ عبدالمحسن آل الشيخ الذي أنقذ الاتحاد من السقوط، وله الفضل الكبير على النادي وتاريخه، وأعتقد أن النادي في أيد أمينة وفي مرحلة لا تقبل بالتراجع للخلف أبدا، ولو كان القرار بيدي لأعدت البلوي ثانية.
• تقصد مرحلة البيوتات العائلية الجداوية التي تنافست على كرسي النادي؟
كان لها دورها وقيمتها في تلك الفترة، لكنها لا تتناسب حاليا مع الاحتراف والبورصة غير المعقولة التي تعيشها الكرة السعودية.
• هناك من يقول إن منصور البلوي صاحب الفضل في كسر علاقة التوارث العائلية بالاتحاد بين بيوتات جدة التي كانت تتولاه عاطفيا ووجدانيا وليس ماديا؟
إجمالا الأوضاع تغيرت ومنصور نجح كرئيس محب للاتحاد في مرحلة تتطلب مثل هذا الدور.
• وما رأيك في وضع الأهلي المنافس التاريخي للاتحاد؟
بصراحة وضعه محزن، ولكن ضعف الأهلي ليس في مصلحة الاتحاد والكرة في الغربية عموما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.