راكان فهاد الحمد قد يبدو للبعض أن الحديث عن خيبة أمل للرأي العام المصري هو حديث غير منطقي كون هذا الرأي العام هو من كوّن نتائج الانتخابات، لكنه منطقي جداً كون مجموع أصوات محمد مرسي وأحمد شفيق لم تكمل 50% من الأصوات. ولكن في نفس السياق فمن الضروري عدم إغفال أن كثيرا من هذه الأصوات لم تذهب جهة معسكرات بعيدة عن معسكري مرسي وشفيق. إذا بدأنا بأقوى رجلين قبل الانتخابات عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح فهما أكثر من تحققت لهما الخسارة. يمثلان معسكرين شبيهين بمرسي وشفيق وخسارة عمرو موسى أمر مشجع للمستقبل لأنه الرجل الذي لم يقدم سوى اسمه وطموحه للرئاسة. أما أبو الفتوح فهو الطامح الثاني للرئاسة وهو الرجل الذي شكك كثيرون في أمر كثير من الأصوات التي جاءته، وفضّل أن يخرج من جماعة الإخوان مقابل ترشحه للرئاسة! وهو الأكثر إثارة للرأي بين الجميع، وهو الذي كان يصرح بإمكانية حسمه للانتخابات منذ الجولة الأولى! الواقع أن أبا الفتوح لا يمكنه تقديم نفسه كمستقل من الجماعة سياسياً وفكرياً كتنظيم سياسي لا دعوي أوتربوي كما يدعي ولا يمكنه تقديم نفسه كمن لا يمثل الجماعة فكرياً، لأن الخلاف بينه وبين الإخوان هو خلاف سياسي، وليس فكريا، وهو الذي كان ابناً وقيادياً في الجماعة لسنوات طويلة. أبو الفتوح أخذ أصوات السلفيين الذين دعموه كمرشح بدلاً عن مرسي. وأخذ أصوات بعض الإخوان الذين يفضلونه كإسلامي معتدل بدلاً عن مرسي. وأخذ أصوات بعض اليسار ممن لم يؤمنوا بإمكانية فوز حمدين صباحي ولم يرغبوا في أن تُهدر أصواتهم والذين يفضلون أبو الفتوح على مرسي باعتباره إسلاميا إصلاحيا. وعليه، فإنّ موسى وأبا الفتوح يمثلان الخاسر الأكبر؛ لم يقدما الجديد الحقيقي واعتمدا على اسميهما وبهذا الشكل فهما لن يقدما إضافة للسنين المقبلة في مستقبل مصر. واستمرار وجودهم في الساحة السياسية لن يكون مفيداً إلا في جوانب تنظيمية بين أنصار التيارات بينما قد يكون مضراً في استمرار تشتت الأصوات إذا لم تتم تحالفات قوية بين هذه القوى والتيارات. الرجل الثالث حمدين صباحي يمثل أحد الجوانب الإيجابية في نتائج الانتخابات فالتقدم الكبير لحمدين على تنظيمات قوية كالاخوان والوطني يمثل مبعث أمل – كمبدأ – كونه مرشحا مستقلا وبشكل أكبر من استقلالية أبي الفتوح، كذلك كون القوى التي بدأت الثورة نراها في مركز متقدم، هذه إشارة لمستقبل إصلاحي أفضل فيما لو كان هناك تنظيم وتجهيز وترتيب أفضل، وهذا ما يجب على حمدين بدؤه للسنوات المقبلة. كما يجب ألاّ نغفل أن مجموع الأصوات التي حصل عليها حمدين وأبو الفتوح تفوق تلك التي حصل عليها مرسي أو شفيق كلٍ على حدة وهنا الجانب الإيجابي الآخر باعتبار أنهما يمثلان التيار الإصلاحي بشكل أو بآخر. والجانب الإيجابي الثالث والأهم هو توّزع أصوات الناخبين ناحية خمسة مرشحين بنسب معقولة وفي هذا إشارة إلى مدى تنوع الاتجاهات ومدى ثقة الناخب المصري بصوته وقدرته على التغيير. وهكذا نتائج لا تحصل في أغلب دول العالم الأول اليوم. فوز محمد مرسي وأحمد شفيق مثّل الخيارين الذين قيل إنّ أحلاهما مر، بينما التخوف منهما هو تخوف مبالغ به، ، إن اجتثاث (الفلول) هو تصرف غير مدني لثورة قامت حتى يكون للجميع الحق في المشاركة في بناء الوطن. وشفيق نجح إدارياً في وزارته للطيران المدني كما أننا نعرف أن العديد من أفراد الحزب الوطني المنحل لم يدانوا في قضايا فساد، وشفيق قد لا يقدم جديداً لمصر لكنه لن يعود بمصر للوراء. فالحديث عن خطف الثورة والثورة المضادة هو أمر إذا ما انطبق على فلول الوطني فسينطبق على جماعة الإخوان. وبنفس الطريقة يجب أن لا يكون هناك تخوف وإشفاق من تولي الإخوان للحكم بالكامل سوى في محطة الجمعية التأسيسية للدستور، أما عدا ذلك فهناك دورة للبرلمان ودورة للرئاسة والوزراء ومن حقهم تنفيذ مشروعات حملاتهم التي انتخبوا بناء عليها، وهناك أعمال تشريع ومراقبة خلال هذه الدورات. وهي فرصة لزيادة نضجهم السياسي هم وبقية التيارات التي لم تنجح فتعمل من أجل غدٍ أجمل. الجمعية التأسيسية للدستور هي النقطة المهمة وهي التي يمكن أن تكون محل تخوّف في ظل سيطرة الإخوان، لذلك فهي من أهم الجزئيات في المشهد المصري الحالي، كونها الأساس الذي سينطلق منه مستقبل مصر كدولة قانون مدنية تستوعب الجميع، وهي الجزئية التي يجب على القوى التي لم تنجح في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التفاوض مع الإخوان حولها. فقد يكون من المقبول دعم مرسي مقابل ضمانات في نقاط حول الدستور يراها حمدين وأبو الفتوح وباقي القوى. عندها سيكون لدعم مرسي جانب أخلاقي أكبر من الحصول على منصب نائب الرئيس. وبعد الاتفاق بين كافة القوى حول تأسيسية الدستور لا ينبغي التخوف حينها من حكم الإخوان.