يتحدث العالم كله عن أزمة المياه القادمة سواء في الدول التي تجري فيها الأنهار وتنزل عليها الأمطار كأفواه القرب بسبب انخفاض حصة الفرد منها أو في الدول التي تعيش في أزمة مياه خانقة، ولكن السعودية بحمد الله تجاوزت ذلك عن طريق محطات التحلية المنتشرة على سواحلنا الشرقية والغربية إلى درجة أن 86% منا لا يعلمون أن هناك شحاً بمصادر المياه في المملكة، ويظهر أن توفر مياه التحلية جعلنا نعيش على مبدأ صب ما في الماسورة يأتيك ما في المحطة على طريقة أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، بدليل أن 82% من السعوديين لا يطبقون أي إجراءات من شأنها توفير المياه، مما جعلهم عرضة لنقد كل المسؤولين واتهامهم باللامبالاة والإسراف والتبذير والهدر، وتخرج بعد ذلك بقناعة أن استراتيجيتنا المائية لنا وللأجيال القادمة قائمة على المبدأ السابق «صب ما في الماسورة»، ولا أحد يتخيل ماذا سيشرب أحفادنا إن نضبت الموارد النفطية وقل الوفر المادي الذي يتيح لنا إنشاء وتشغيل المحطات المكلفة طالما أن المياه الجوفية غير المتجددة استهلكنا كثيرا منها في زراعة القمح لعشرات السنوات ثم زاد استهلاكنا لها شراسة مع زراعة الأعلاف بأربعة أضعاف مما دفع وزير المياه إلى أن يعلن أن حائل وحدها استهلكت في الزراعة في ستة أعوام 14 مليار متر مكعب أي ما يعادل استهلاك المنطقة والمواطنين من مياه الشرب في 400 سنة، واضرب هذا الرقم في عدد مناطق المملكة بنسبة تقل وتكثر لتعرف حجم الجريمة التي نرتكبها في حق الأجيال القادمة، حيث يرى الفريق الحكومي الدولي لتغيير المناخ أن نقص المياه في منطقتنا سيزداد تفاقما في الفترة القادمة ولن يشهد تحسناً، والمشكلة أننا جميعا نعلم أن هناك مشكلة قادمة وأن الاستنزاف الضاري للمياه الجوفية سيضر أمننا المائي ويمتد تأثيره السلبي للأجيال ونعرف بالأرقام حجم المشكلة وخطورتها ونعرف أيضا أننا سننفق خلال العقدين القادمين نحو 300 مليار ريال وأن 80% من استهلاكنا يتجه للزراعة و71% منها للقمح والأعلاف وثلاثة أرباعها للأعلاف فقط، كل هذا نعرفه ونحفظه ومستعدون لتسميعه، لكن الشيء الوحيد الذي لا نعرفه هو الإجراءات الحاسمة لوقف هذا النزيف وليست الإجراءات الخجولة والبطيئة وفق خطط زمنية ممتدة حتى لا يغضب المنتفعون والمتنفذون.