مسؤولية الوظيفة العامة وحمل أمانتها ليست محصورة في فئة معينة من الموظفين بل هي مسؤولية تنطبق أحكامها على العاملين في كافة القطاعات الحكومية والأهلية على حد سواء من حيث الالتزام بشرف الوظيفة التي يشترك الجميع في تحمُّل مسؤوليتها كونها في الأساس تكليفاً لا تشريفاً وبالتالي فإنه ينطبق على المكلَّف بها مبدأ الثواب والعقاب متى ما تحققت شروط كل منهما، فعلى سبيل المثال وتعليقاً على جزئية مهمة في حياة بعض العاملين في قطاعات الدولة المختلفة ممن يعتقدون حسب وجهة نظرهم أن مجرد تربعهم على مسؤولية مكتب أو مجموعة بسيطة من الموظفين، فذلك يخولهم باستخدام هاتف الإدارة في تسيير الأمور الشخصية والثرثرة من خلاله مع الآخرين أو متابعة المشروعات الخاصة به وحركة الأسهم وتسديد خدمات المرافق العامة وأن من حقهم استخدام كل ما تقع عليه العين وتحيط به اليد من أدوات مكتبية وسيارة حكومية، كما يعتقدون أن من حقهم الحصول على مكاتب فخمة تليق بمكانتهم التي يرون أنها بحاجة إلى المزيد من البهرجة حتى يبدوا أمام الآخرين وكأنهم في موقع مسؤولية تلك أدواتها ومقوماتها، ولاغرابة أن تشاهد مكتباً فخماً وقد أحاطت به كل علامات البذخ من دواليب وكراسي وثيرة فاخرة وجهاز حاسب آلي وملحقاته حتى وإن كان بعضهم لا يجيد استخدامه ومجموعة من الهواتف مباشرة وغير مباشرة وجهاز الناسوخ (الفاكس) وكذلك الحصول على الصحف المحلية كاملة ويعتقدون أيضاً أن من حقهم أن تصلهم هذه الصحف إلى باب المنزل في حالة عدم الحضور في مقر العمل من خلال تسخير بعض الموظفين المغلوبين على أمرهم، لأن الوظيفة في عرفهم الشخصي هي «التكويش» على كل شيء، كما أن الحضور في وقت متأخر يعتبر في نظرهم ضرورة يفرضها العرف القاصر لديهم وهو مايسمَّى (البريستيج) ومع ذلك فإنهم لا يتوانون في تأنيب الغير ممن يتأخر عن الدوام سواءً بعذر أو بغيره . ومثل هذه النماذج موجودة وإن كانت قلة إلا أنها ذات تأثير سلبي على المهام المناطة بالموظف ولا شك أنها تلحق الضرر بمصالح المواطنين فهي إذاً صفات ذميمة لا يتصف بها إلا من كان في نفسه نقص فتقييم الذات عند هذه الفئة لا ينطلق من قاعدة تأنيب الضمير عند التقصير. لقد طغت هذه العادة السيئة على أصحابها وجعلتهم أقل الفئات إنتاجاً وأكثرهم غطرسة واستنزافاً للممتلكات العامة. إن وجود حالات محدودة في بعض الأجهزة الحكومية ينبغي أن ينظر إليها على أنها داء عضال يجب استئصاله من خلال ترسيخ روح المسؤولية وتكثيف جرعات الوعي لمن أصيب بهذه الأدواء السقيمة ويتخذها منهجاً وسلوكاً للوصول إلى أهداف لا تتوافق مع الأهداف الأساسية لشغل الوظيفة العامة.