الدكتور أنتوني كوردسمان واحد من أكثر المحللين العسكريين احتراما في واشنطن، على مدى السنوات الأربعين الماضية، قدم استشارات للبنتاغون، الناتو، وزارة الخارجية، وزارة الطاقة، وعدد من الحكومات الأجنبية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج. في يونية 2010، كتب مقالاً مثيراً للجدل، قال فيه إن إسرائيل تتحول إلى «عبء إستراتيجي» على الولاياتالمتحدة. الدكتور كوردسمان لا يخاف من قول الحقائق غير المريحة. آخر أعمال الدكتور كوردسمان، الذي نشر في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، تقرير «إعادة النظر في منهجنا تجاه بحث إيران عن القنبلة»، سبب أيضا الكثير من الجدل منذ نشره في 7 مايو. بعض كبار الصقور المؤيدين لإسرائيل، مثل جيفري جولدبيرج، امتدحوا وثيقة كوردسمان بشكل كبير. لكن جولدبيرج وأمثاله فشلوا في قراءة تقرير كوردسمان بعناية أو في أن يأخذوا في عين الاعتبار ما قاله الكاتب. معظم صفحات التقرير ال14 تناقش بعناية نتائج منشورة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك تقارير قدمتها أجهزة استخبارات دولة عضو إلى الوكالة. جوهر هذه النتائج هو أن إيران مستمرة في العمل على جميع العناصر الثلاثة المهمة في أي برنامج للقنبلة النووية: تخصيب يورانيوم إلى درجة عالية؛ تصميم وبناء واختبار أداة تفجير قنبلة نووية؛ وتطوير صواريخ بالستية قادرة على توصيل رؤوس نووية. سواء توقف العمل على بناء القنبلة واختبارها في 2003 أم لا، فإن المعرفة موجودة بين حشود العلماء النوويين والمهندسين العاملين في برامج حكومية وجامعية إيرانية مختلفة. هناك تقديران للاستخبارات الوطنية الأمريكية اكتملا في 2007 و 2010، كلاهما استنتج أن إيران أوقفت جميع أعمال التخصيب منخفضة المستوى أو على تطوير الصواريخ البالستية، وكلاهما مسموح به وفق المعاهدات الدولية. ما يقوله الدكتور كوردسمان هو أن سعي إيران المفترض للحصول على أسلحة نووية لا يمكن تقييمه بشكل صحيح ومنعه إلا من خلال فهم الإستراتيجية العسكرية الشاملة لقادة الجمهورية الإسلامية. صعف موقفهم، بالإضافة إلى نقاط القوة، يجب أن يتم أخذها بعين الاعتبار. نقاط الضعف ليست قليلة. في نهاية الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988)، كانت القدرات العسكرية التقليدية الإيرانية مدمرة. حاليا، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي تفوقاً نوعياً وكمياً على إيران في القوة الجوية. لموازنة الضعف التقليدي، ركزت إيران خططها العسكرية على ثلاث أولويات: تطوير القدرات غير المتماثلة؛ تطوير ترسانة كبيرة من الصواريخ لإكمال القدرات العسكرية غير المتماثلة؛ وقنبلة نووية محتملة. يقول كوردسمان في نهاية تقريره: «إيران تبني قوة صاروخية بعيدة المدى كوسيلة لتعويض نقاط ضعفها في مجال الأسلحة التقليدية، وردع الولاياتالمتحدة إذا استخدمت إيران قوات غير متماثلة. لكن هذه الصواريخ هي صواريخ إرهابية أكثر منها قوات جدية طالما أنها محدودة على الرؤوس التقليدية. لدى هذه الصواريخ قدرات محدودة من المتفجرات شديدة الانفجار، وتعاني من قلة الدقة مقارنة مع القنابل الموجهة عالية الدقة والصواريخ جو – أرض. «جهود إيران النووية تكون منطقية أكثر عندما يتم النظر إليها ضمن هذا الإطار، خاصة في الوقت الذي تطور فيه دول مجلس التعاون الخليجي قدراتها...الصواريخ النووية هي للردع أكثر منها أي شيء آخر، موازنة للتفوق الخارجي في القوات التقليدية، طريقة لتقديم حرية عمل في استخدام القوات غير المتماثلة، وضمان ضد الغزو الحقيقي أو الخيالي». ما يؤكده الدكتور كوردسمان هو أن الضربة العسكرية الاستباقية على المنشآت النووية الإيرانية المعروفة -حتى لو كانت ناجحة 100%- لن تمنع إيران من الوصول إلى قدرات تصنيع أسلحة نووية. إن المعرفة العلمية لبناء قنبلة لا يمكن القضاء عليها بعمل عسكري. الهجوم سوف يدفع إيران إلى إعادة تركيب البرنامج وجعل اكتشافه أمراً أكثر صعوبة، من خلال نشر العمل على مواقع متعددة، تحت غطاء مدني أو أكاديمي أو تجاري. هذا يضع المفاوضات القادمة بين إيران ودول مجموعة 5+1 التي يفترض أن تبدأ في 23 مايو 2012 في بغداد، في راحة كبيرة. الدكتور كوردسمان يؤكد على الحاجة إلى «التحكم الشامل، وإجراءات التفتيش والتحقق. كما أن هذا يوضح الحاجة إلى حوافز قوية بما فيه الكفاية لتحفيز إيران على التخلي عن جهودها النووية بالرغم من احتياجاتها الإستراتيجية والعسكرية الأوسع». رسالة الدكتور كوردسان واضحة بالنسبة لي: إذا كنا نريد تجنب حرب كبيرة ومتكررة، وإذا كنا نريد منع إيران الوصول إلى قدرات لصناعة أسلحة نووية، فإن ذلك سيتطلب دبلوماسية قاسية وقادرة. الدبلوماسية، في نهاية المطاف، معنية بالوصول إلى اتفاقية يستفيد منها الطرفان مع عدوك أو خصمك. وذلك يبدأ بمعرفة ما تريده أنت، وما أنت مستعد لإعطائه في المقابل.