على مدى الشهور الستة الماضية، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط لانتخابات مبكرة لتعزيز الدعم الشعبي له وضمان استمرار سلطته على مدى سنوات مقبلة. في أواخر العام الماضي، عقد نتنياهو مؤتمرا لحزبه -حزب الليكود- تم فيه إعادة انتخابه بأغلبية ساحقة كرئيس للحزب. وحيث إنه ضمن تأييد الحزب له، كانت المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يقوم بالدعوة إلى انتخابات مفاجئة. لكن الإعلان في الأسبوع الماضي بأن الكنيست الإسرائيلي سوف يتم حله لفتح الطريق أمام انتخابات مبكرة في سبتمبر لم يكن انتصارا لرئيس الوزراء وحلفائه، مع أن استطلاعات الرأي تظهر أن حزب رئيس الوزراء -الليكود- يتقدم بشكل لا بأس به. رغم ذلك فإن نتنياهو قلق. خلال الأسبوعين الماضيين، قام بعض القادة المخضرمين في المؤسسة الأمنية الوطنية الإسرائيلية بتوجيه انتقادات شخصية علنية قوية ضد نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك. ففي لقاء مع تلفزيون (CNN) قال رئيس الأركان الإسرائيلي بيني جانتز إن صانعي القرار في طهران «عقلانيون» وأنه يشك في أن إيران سوف تصنع قنبلة نووية. اللقاء تم دون موافقة مسبقة من رئيس الوزراء الإسرائيلي أو وزير دفاعه. الاثنان فوجئا وغضبا كثيرا بسبب التغطية الإعلامية العالمية التي حظيت بها تلك المقابلة. ما فهمه كل من نتنياهو وباراك مباشرة هو أن كلمات الجنرال جانتز كانت مطابقة تقريبا لكلمات نظيره الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي الذي قال لجلسة استماع في الكونجرس في أوائل هذا العام إن إيران بعيدة عن صنع قنبلة نووية وأنها حتى لم تقرر بعد أن تصنع القنبلة. هو أيضا قال إن القادة الإيرانيين «عقلاء». بعد فترة قصيرة من مقابلة جانتز، صرح رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية السابق يوفال ديسكين أنه لا يثق بأن نتنياهو وباراك يستطيعان أن يتخذا قرارات عقلانية حول قضايا تتعلق بالحرب والسلام. نتنياهو فهم أهمية الهجمات تماما. في قلب الانقسام بين النخبة الأمنية الإسرائيلية يوجد سؤال بسيط: هل تثق بالولاياتالمتحدة كضامن لأمن واستمرار إسرائيل؟ من الواضح أن الإجابة لدى النخبة الذين انتقدوا نتنياهو ووزير دفاعه باراك هي «نعم». بالنسبة للمتطرفين الصهاينة أمثال نتنياهو، الإجابة هي «لا». ليس من سبيل المصادفة أن نقاد نتنياهو كانوا من حلفاء ارييل شارون. كان شارون متعصبا لفكرة «إسرائيل الكبرى»، لكنه لم يكن ليخاطر بعلاقات الولاياتالمتحدة مع إسرائيل. هذه هي المعركة الدائرة حاليا في إسرائيل. إيران ليست هي القضية. ولا حتى فلسطين. الخلاف الرئيسي الذي يمزق المؤسسة السياسية الإسرائيلية هو فيما إذا كان يتوجب إلقاء الارتباطات الأمنية مع واشنطن من النافذة. وهنا يبدو الانفصام الإسرائيلي بوضوح، المؤسسة السياسية الإسرائيلية ضاقت ذرعا بنتنياهو ويريدون خروجه من السلطة. لكن الناخب الإسرائيلي منقسم بعمق وربما لاتزال الأغلبية تريده أن يستمر عندما تجري الانتخابات في نهاية الصيف. بين الناخبين الإسرائيليين هناك المستوطنون، وهم صهاينة متعصبون يرفضون أي تسوية تتضمن حل إقامة دولة فلسطينية، وقد عبروا عن وجهة نظرهم ومواقفهم بوضوح عندما قام أحد من بينهم باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين لأنه وقع على اتفاقيات أوسلو مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.الإسرائيليون -اليهود والعرب على حد سواء، الذين يعيشون داخل الخط الأخضر الذي يحدد إسرائيل قبل حرب عام 1967- بدأوا يكرهون المستوطنين والمعاملة الخاصة التي يحظون بها من حكومة نتنياهو. هل سينفصل هؤلاء الإسرائيليون الذين يعيشون داخل الخط الأخضر بشكل حاسم عن نتنياهو بعد أن شاهدوا البديل الواضح الذي قدمه بعض كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين؟ الإجابة على ذلك السؤال المهم غير معروفة حتى الآن. لكن نتنياهو وباراك قلقان. لقد كانا مجبرين على الدعوة إلى انتخابات مبكرة -قبل أن تبني المعارضة ذات الصوت المرتفع زخما كافيا لخسارة محتملة لهما في الانتخابات القادمة. أكبر قضية على الطاولة بالنسبة للناخبين الإسرائيليين في سبتمبر هي فيما إذا كان على إسرائيل أن تقطع جميع علاقاتها مع واشنطن والمجتمع الدولي وتمضي وحيدة كدولة منبوذة. ذلك هو الطريق الذي يسلكه نتنياهو، سواء اعترف بذلك علنا أم لا. الجنرالات ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين تحدثوا صراحة خلال الأسابيع الماضية يتخذون موقفاً معاكساً. هم يرون تسارع عزلة إسرائيل بقيادة نتنياهو ويقولون إنه حان الوقت ليرحل نتنياهو وباراك عن المسرح السياسي. النخبة في إسرائيل وصلت إلى إجماع بأن إسرائيل قد لا تستمر إذا بقي نتنياهو وباراك في الحكم. الشعب الإسرائيلي لم يقرر بعد. هذا هو أصل الانفصام. انتخابات الكنيست في سبتمبر ستكون بالتأكيد الانتخابات الأكثر حسما منذ عقود وربما على الإطلاق. ولا أحد في هذه اللحظة يستطيع أن يراهن بثقة على النتائج.