مهرجان الحريد في فرسان ليس هو المهرجان الوحيد، فالجزيرة ذات عوالم متعددة، وطقوس مختلفة. الأسماك المهاجرة جزء أساس من حياتها، كما جاءت الإشارة من قبل. وإلى جانبها تأتي الطيور المهاجرة من شمال أوربا إلى جنوب الأرض، حيث تتخذ من فرسان موئلا لزمن قصير. وقد اعتاد السكان قديما أن تصحب هذه الهجرات طقوس شعبية، واحتفالات جماعية. فمن موسم الجراجيح، المتمثل في وصول مئات الآلاف من الطيور، إلى موسم البيض، الذي يمثل للسكان مصدر غنى وادخار. إن طقوس صيد الطيور وطريقة نصب الشباك لها، وما يصحب بداية الصيد من أغانٍ وأهازيج يرددها السكان عبر جزيرتهم، تتجه نحو الاختفاء. وفي ذلك فقدان لتراث ذي قيمة فنية وحياتية ومجتمعية، وهذا أمر يحتاج إلى وقفة وعناية، من أهالي فرسان، ومن الجهات الرسمية ذات الصلة. فإذا كانت كثير من الطقوس ترتبط بالحاجة المادية، وعيش الناس، فإنه يجدر أن ينظر إليها، بوصفها تراث عريق تجب المحافظة عليه، والعمل على استمراره بصفته الثقافية، وإن قل المردود الاقتصادي. يبدأ موسم الجراجيح أو موسم الطيور المهاجرة، خلال شهري أبريل ومايو من كل عام ، وتأتي هذه الجراجيح في أسراب كبيرة جداً من دول أوروبا. حين تصل هذه الطيور يعلن السكان فرحتهم، ويعبرون عن سرورهم، عبر ضرب الدفوف وقرع الطبول، حيث يغنون ويرقصون معلنين بداية الموسم الراقص، عبر كلمات شعبية تعكس أحاسيسهم، وتعبر عن مشاعرهم. فرسان عالم من التراث والشعر والأدب والتاريخ. عالم من الأهازيج الشعبية التي تصحب طقوسها الحياتية المتعددة. فرسان جزيرة لا عالم لها سوى البحر، بأمواجه الهادرة، وعواصفه الهوجاء، ودرره الثمينة، وعنبره النادر. تتجه إليها وسائل التحديث ببطء، وتستحق الكثير، فهي جزيرة تملك الكثير لتمنح، وتحوى النفيس لتعطي. ليست مثل أماكن أخرى قد تأخذ وتقف، أو أنها فقط تستنزف. حين يركز المقال على الظواهر الطبيعية وما يصحبها من تجاوب إنساني، فإن تراثا أدبيا كبيرا مهما تضمه أضابير المهتمين في تسجيل هذا التراث من أبنائها. وهو تراث غني ذو تعدد في ألوانه، وفنونه، بين أدب فصيح، وأدب يتخذ من العامية وسيلة تعبير مباشرة. وكل ذلك يرتبط بظروف ثقافية متعددة، مرت بها هذه الجزيرة عبر تاريخها. وإذا كان الحديث عن فرسان فإن الإبداع الأدبي يحضر بتميز كبير، عبر أدباء كثيرين، لعبوا دورا كبيرا في تسجيل تراث هذا المنطقة. وهم مبدعون يستحقون مزيدا من التقدير، لكن تضيق بهم دائرة الإحصاء. كثيرون يتجهون إلى فرسان لاستكشاف شواطئها البكر، والاستمتاع بغزلانها التي تتحرك بحرية داخل محمياتها. وآخرون يفدون إليها لمتعة الصيد والغوص البحري، أو الوقوف على أجزاء آثارها، أو حضور مهرجاناتها الطبيعية. غير أن كثيرا من القادمين إليها المستمتعين بجمالها، المكتشفين لكنوزها برا وبحرا، يشعرون أن وسائل الراحة الأساسية داخل الجزيرة تحتاج إلى مزيد من العناية. وهذا يفسر إحساس الزوار أن الجزيرة لا تفتح أذرعها مرحبة بقدومهم. أما كيف يكون الترحيب، فإنه بالتأكيد بتوفير المزيد من الخدمات الأساسية التي يحتاجها الزائر.