فرسان جزيرة حالمة بذاتها، تمتد إليها أحلام الكثيرين برؤيتها والاستمتاع بجمال طبيعتها، برا وبحرا. تسكن بهدوء في الجنوب الشرقي للبحر الأحمر. تجاور مدينة جازان، حيث يفصلها عنها ما يتجاوز أربعين كيلا داخل البحر. إنها مجموعة جزر متعددة المساحات يربو عددها على المائتين وخمسين جزيرة، لكن الجزيرة الأكبر أخذت المجد والشهرة. يبلغ طول هذه الجزيرة من طرفها في الجنوب الشرقي إلى طرفها في الشمال الغربي سبعين كيلا، بمساحة تزيد على ثلاثمائة وستين كيلا مربعا. وتحوي من التراث المادي وغير المادي، ما يحتاج إلى مزيد من الكشف. احتفلت فرسان، خلال الأيام الماضية، بمهرجانها السنوي المتجدد، الذي تحول عبر عقد من الزمان إلى كرنفال شعبي، يحضره كثيرون من فجاج عديدة، ويتابعه أكثر عبر وسائل الإعلام. إنه مهرجان الحريد الذي يمثل رمزا للمكان ونوع من الأسماك. يختار سمك الحريد يوما ليتدفق بغزارة، ويتكشف فيه على الناس، راقصا في الماء بغنج، متلويا بين أيدي التواقين، يقدم نفسه دون عناء، ويمنحهم حق الاشتهاء، ويهبهم روحه فداء لهذه الجموع من النساء والرجال والأطفال ، الذين ظلوا طوال العام في رحلة انتظار للكنز البحري السابح عبر البحار والمحيطات. تبدأ بشرى قرب وصل سمك الحريد بالاضطرابات المائية التي يشاهدها الناس من الساحل. إنها أمواج من الأسماك المهاجرة، تمر عبر هذه الجزئية من البحر الأحمر، وتقترب جدا من الساحل، وكأنها هدية الخالق لمخلوقاته، لتحدث توازنا بين اليابسة والماء، وبين البر والبحر. تبدأ عملية نصب الشباك الكبيرة جدا، وبطريقة تفصيلية تستحق تحويلها إلى فيلم تسجيلي. إنها شباك تتيح بقاء السمك داخل الماء، وعلى الجميع الدخول لمتعة الإمساك بها. حاجة ماسة في زمن سابق، ورفاهية ممتعة عند البعض في زمن حاضر. تصحب هذا الموسم طقوس شعبية أخاذة، حدثنا عنها مؤرخ وشاعر فرسان المبدع إبراهيم مفتاح. إنه كرنفال يشترك فيه المجتمع بكامله، بفئاته العمرية المختلفة، معبرا عن مكنون أحاسيسه، ممتزجا بالأرض التي احتضنته وبالبحر الذي يتغذى منه، رافعا يديه للسماء شكرا لأنعم الله. يلتحم الجميع مع بعضهم في رحلة صيد جماعية مؤنسة، لكل فرد نصيبه حسب جهده. كثير من الكرنفالات والمهرجانات والأهازيج في أنحاء العالم، ارتبطت سلفا بحاجة مجتمعية، وضرورة حياتية، وربما تنتفي الحاجة مع مرور الأزمان، لكن التراث يستحق العناية به، وتجدر المحافظة عليه، لما يحمله من تاريخ، وثقافة، وتسجيل لحياة ابن هذه الأرض. وغالبا ما تكون هذه الطقوس مرتبطة بالأناشيد والأهازيح الشعبية، وتعكس حالة من الفرائحية المجتمعية، التي نحن بحاجة إلى تأصيلها، بعد أن مرت بمرحلة خفوت شديدة، نظرا للتحولات الثقافية التي مر بها المجتمع. وقبل الختام لا بد من ترديد أغنية الوطن التي صاغها ابن فرسان الشاعر المتميز على محمد صيقل: وشم على ساعدي نقش على بدني وفي الفؤاد وفي العينين يا وطني شمساً حملتك فوق الرأس فانسكبت مساحة ثرة الأضواء تغمرني قبلت فيك الثرى حباً وفوق فمي من اسمرار الثرى دفء تملكني تأسر فرسان من يزورها، وتشد من يكتب عنها للمزيد من التناول.