عصام مصطفى خليفة - عضو جمعية الاقتصاد السعودي تشير الإحصاءات إلى وجود خلل هيكلي واضح في سوق العمل، خاصة في القطاع الخاص، تميل فيه الكفة إلى العمالة الأجنبية، ويتضح منه أن العمالة المواطنة، بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، هي المتضرر الأكبر من هذا الخلل البنيوي. وبعض الإحصاءات تؤكِّد أن نحو 60% من قوائم الباحثين عن العمل هم من النساء، وأن نحو 45% من هذه النسبة يحملن شهادات جامعية! وبالرغم من أن المجتمع السعودي اليوم قد تشكلت لديه قناعة تامة، بأهمية دور المرأة في التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من الأسر السعودية، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع متطلبات الحياة، التي سببت في عجز الآباء والأزواج عن تأمين متطلبات الأسرة، من تأمين السكن والمأكل والعلاج والتعليم، وغيرها من الاحتياجات التي أصبحت ضرورية في عصرنا، والتي كانت في قرون ماضية رفاهية لدى الكثير. كل ذلك استدعى وأكّد أهميّة عمل المرأة لدعم اقتصاد الأسرة ومشاركتها في تحمّل أعباء المعيشة الصعبة. ومن هنا يأتي الدور على الأسرة والمجتمع، لتهيئة البيئة الصالحة لعمل المرأة، والسعي لإلحاقها في منشآت القطاع الخاص، في أعمال متوافقة مع طبيعة المرأة، ولا تتعارض ممارستها لها مع الشريعة الإسلامية، وتقاليد المجتمع الحميدة. فللتنشئة الأسرية، دور مهم في تنشئة الأبناء على أهمية العمل، وتعريفهم بالفرص المتاحة في سوق العمل، وحاجة سوق العمل إلى عقليات مبتكرة وفاعلة، وتعليم متميّز، حتى يلتحقوا بركب سوق العمل، بدلاً من الانضمام إلى قائمة العاطلين. أما بالنسبة للتعليم، فهناك فجوة كبيرة بين مخرجات التعليم، من الشابات السعوديات المؤهلات وسوق العمل السعودي، وسنوات الدراسة في المدارس والجامعات يمكن أن تكون بيئة عملية لاكتشاف فرص العمل في وقت مبكر، إذا ما بنيت المناهج الدراسية على فلسفة عملية، تشجّع المرأة على الانخراط في مختلف الأعمال المهنية والفنية، من دون تمييز، حتى يساعدها ذلك على المساهمة الفعلية في القطاع الخاص، وحتى يمكّنها من التخلص من عقدة البحث عن وظائف لا تتسع لها أفواج الخريجات. فمناهج الدراسة تحتاج إلى ثورة عملية ومعرفية تساهم بشكل كبير في سد الفجوة الموجودة حالياً، إذا كنّا نفكر فعلاً في أجيالنا المقبلة. أما بالنسبة للقطاع الخاص، فبالرغم من أن الإناث يشكلن نحو 51% من حجم السكان، طبقاً لآخر إحصائيات للتعداد السكاني، إلا أن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل المحلي لا تتجاوز 5% فقط! ومعظمها في وظائف توفرها الدولة في قطاعي التعليم والصحة، وهو الأمر الذي يعكس تدني إسهامات المرأة في سوق العمل السعودي، رغم عشرات القرارات التنظيمية والتشريعية في هذا الشأن. ولعله من أهم الأسباب التي تحول دون توظيف المواطنات السعوديات في القطاع الأهلي، رغم وجود آلاف الفرص الوظيفية المناسبة، يعود لجملة من الأسباب أهمها:عدم استطاعة العديد من المؤسسات والشركات توفير البيئة الشرعية المناسبة من منظور السيدات، والتي أهمها عدم الاختلاط، وتدني مستويات الرواتب لدى القطاع الأهلي مقارنة بالقطاع الحكومي، ومشكلة المواصلات بين مكان العمل ومنزل الموظفة، إضافة لطبيعة دوام الفترتين الصباحية والمسائية، والتي تراها المتقدمات للوظائف أمراً لا يتفق والتزاماتهن الأسرية. لذا يحتاج القطاع الخاص إلى القيام بمسؤولياته في هذا الشأن، بتهيئة مناخ عمل حقيقي للمرأة السعودية، خاصة أن معدلات الأجور المنخفضة في القطاع الخاص، لا تساعد السعوديات على تبني مبادرات اجتماعية تكسر طوق العادات والتقاليد، بل تزيد تلك العوائق الوظيفية من تمسُّك الأسر بفرضيات «العيب» الاجتماعي أمام طموحات أية شابة سعودية. كما أن رفع مستوى الأجور لدى الشركات، سيشجّع السعوديات على أخذ زمام المبادرة في العمل الأهلي، وتخفيف الضغط على طلبات العمل الحكومي، الذي أصبح يعاني عجزاً في توفير الفرص الملائمة للخريجات السعوديات، نتيجة انحسار مجالات العمل في قطاعي التعليم والصحة.