وقف الشاعر الروسي (ماياكوفسكي) ذات مساء مصوباً مسدسه على رأسه، مُطلقاً عبارته التي صارت مرشداً لأجيال المنتحرين من كل جنسِ. قال: (إلى الجميع، ها أنذا أموت الآن. لا تتهموا أحداً، ولا تثرثروا. فالميت يكره الثرثرة. إلى أمي وإخوتي ورفاقي، أطلب عفوكم. إنها ليست طريقة للخلاص تناسب أحداً. أحبيني يا ليلى، بعد أن تحطم زورق الحب على صخور الحياة). بعد أن فرغ (مايا) من تلاوة وصيته الباكية، أفرغ طلقات مسدسه برأسه لتدخل من هنا وتخرج من هناك، حاملة ما تبقى من (مُخه) الذي (لحسته) حبيبته ليلى ليهوى إلى الأرض ميتاً بنصف رأس. خلي بالك.. سُبل كسب العيش في عالمنا العربي، مثل سُبل كسب الموت، تقترن به مهنٌ ومحنٌ و(إحنْ). (حاول نطق الكلمات الثلاث الأخيرة في الفقرة أعلاه، عشرة مرّات بسرعة 120 ميلاً في الثانية، مؤكد حتعمل حادث سير في حلقك وتموت). ما علينا.. نقلت صحف الخرطوم أمس، أن عُمالاً شاهدوا شاباً في كامل قواه (الهدومية) يستند على الجسر المعلّق، وبإخلاص من يحرص على (حق) ورثته، تنصّل عن مسؤوليته ملابسه (حتة حتة)، حتى صار عارياً من صحة الستر، ثم ألقى بجسده في النيل، محطماً زورق حُب (الدنيا). متابعات الشرطة (الهميمة)، قالت أن ملابس الشاب التي تنصّل عن مسؤولية تعكير صفوها بالطين: (ثرية وقيمتها كبيرة)، كأنها تستبق الاتهام بانتحاره تحت طائلة الفقر، تضامناً مع مواطنين أعراب، تخلّصوا من ملابس الحكومات التي ضاقت على الأجساد. في ذمتك، أليس المنتحر بأعقل من حكومته، على الأقل برّ أهله بملابس: (ثرية وقيمتها كبيرة)، أو كما قال العَسَسْ!