كان لي زميل في المدرسة الثانوية يحمل اسماً في غاية الغرابة: (داوْ داوْ داوْ). ولأنه كان شرساً فارعاً عريض المنكبين (شلَولَخ)، وعلاقته باللغة العربية (زي الزفت)، كونه من قبيلة إفريقية عريقة تعتز بلُغتها، لم يتجرأ أحد لسؤاله عن مصدر اسمه أو علاقته بمؤشر (داو جونز). توكلّت على الله وسألته: (داوْ يعني شنو)؟! ألقى في وجهي بعينيه المحمرّتين وقال: (مُش عارف، عندكم بالعربي يعني شنو)؟! لم أجد لاسمه مقابلاً في محفوظاتي من العربية، ففكّرت ملياً ووجدت مقابلاً له في اللغة النوبية التي أجيدها، فقلت فرحاً كمن أقنع (ريما) بالكف عن تأبط (شر) شُعلة الأولمبياد حفاظاً على (عدم) وحدة القاعدة في اليمن، قلت: (داو بالنوبية يعني بُوسْ، فعل أمر من بَاسَ يبوس الثلاثي، بمعنى قُبلة). فهم (داو) نصف ما قلت، وضرب صفحاً عن البقية. دخل علينا معلّم اللغة العربية وكان متقعّراً ثقيلاً، بدأ حصته فأهْرَسَ وأعْدَسَ واستبْدَج وسَكْبَجَ وطَهْبَج وأفرْج ودحَج وأبْصل وأمْضَر ولَوْذَج، حتى كاد زميلي (داو) أن يتبرأ من حصيلة عربيّته المكسّرة التي بالكاد يتواصل بها مع رفاقه. قبل أن يفيق (داو) من هريسة المعلّم، باغته الأخير بسؤال: (إنت اللّي قاعد هناك، اسمك إيه)؟! انتصب (داو) بقامته الفارعة، تلّفت يميناً ويساراً، ثمّ دلّى رقبته كأنه يستعين بي، حدّق في المعلّم ملياً وأجاب: (اسمي بوسة كبيييرة). قد لا يكون (داو) معنياً بالحوار الذي جرى بين أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، والأب الذي اشتكى له عقوق ابنه الذي تجاسر وسأله الخطّاب على طريقة: (اشمعنا)، أو ليس لي حقوق على أبي الذي سماني (جعراناً)؟! بربك عزيزي الوالد، هل تتخير الأسماء لأولادك؟!