كلَّما بدأت التفكير في أي مشروع ٍ، يضيف لحياتي ما يحقق طموحاتي، أقف أولاً عند «الواسطة» وأستند عليه كثيراً، بدءاً من التفكير، وانتهاءً بمراحل التنفيذ. وكلما كان «واوي» متمكناً، كلَّما أحسست بعزَّة وشموخ تصل بي في العادة إلى «القليل» من الغرور المتواضع الذي يتشكل حسب قوة «الواو». أتذكر جيدًا المقصف المدرسي الذي كنا نتصارع كي نجد مكاناً لنا نستطيع من خلاله الوقوف على شُبَّاكه، وفي نفس اللحظات العصيبة، والحروب النفسية الجسدية، يأتي كعادته ولا يقف معنا بل يقتحم أي أسوار تحيط بالمقصف، ليشتري ما يشاء منه ويغادر المكان «بكل هدوء»، والصراع قائم! ومن هنا بدأ تشكيل منظومة «الواسطة فوق الجميع» في حياتي. فتعلّمت من ذلك كيف يجب عليَّ أن أحصل على امتيازات من «التَّمَّاس» حتى لا أقف أو أنتظر مع منتظري «تميسة»، وتطورت الحالة إلى «الحلاق» الذي يحفني بالكثير من الترحيب، مهما كان لديه من زبائن، وعادة ما أكون «مميزًا» أثناء جلوسي على الكرسي، والابتسامات تحيط بي! أتذكر حين قررت أن أحصل على رخصة القيادة، وكنت حينها في مكَّة المكرَّمة، اصطدمت مع أول المعترضين على الواسطة، ذلك أنني قررت أن أستعين بمن ينهي لي إجراءات الحصول على «رخصة قيادة»، وبكل رعونة لم أقف في الصف، لأن الذاكرة القريبة جعلت مني سوبر مان اللحظة، فذهبت مباشرة للشبَّاك، وسلَّمت أوراقي وقلت له: «جايك من طرف فلان»، تذمّر الصف كثيرًا، وارتفعت الأصوات المنادية بإقصائي، واحتقار تصرفي، وكنت سأحس بقليل من الحرج لولا أن «حبيبي الواو» أنقذني وأشار لي الموظف أن أستريح قليلاً، فقام مشكوراً بإنهاء الإجراءات، وحضر لي وكلُّه فخر «بخدمتي» بعد أن أنهى المعاملة كاملة، فشكرته على إنقاذي من الموقف العصيب، ونسيت أن أشكره على إنهاء إجراءاتي! وبحكم أن الواسطة تلعب في المجتمع السعودي «على كيفها»، فقد حاولت أن أدخل «الشرق» من نفس الباب ولكنني فشلت بعد عدة محاولات، وقررت «مجربًا» أن أعتمد على نفسي، وبدون الواو، حتى وإن غضب عليَّ، ومع أول بدايات المحاولة الأولى نجحت، وها أنا ذا أغرِّدُ بينكم، وعلامات الاستغراب تحفُّ مقالي، فهل الخلل في «الشرق» التي احتضنتني بلا «واو»؟ أم في حياة واقعية هي نتاج مجتمع يقتات على «الواسطة» التي غيَّبت ملامحه تماماً؟!