بدا الصياد الأربعيني “أبو خالد يوسف” قلقا وهو يقف أمام منزله المتهالك في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة يمسك بجالون فارغ يدفعه إلى ابنه معتز ويطلب منه أن يذهب إلى محطات الوقود بحثا عن بنزين يمكِّنه من الإبحار بقاربه الصغير لاصطياد السمك، علَّه يأتي بقوت عياله التسعة من بحر غزة الذي تحاصره الزوارق الإسرائيلية. أمسك معتز بالجالون الفارغ وانطلق مع “الشرق” في مهمة البحث عن البنزين في القطاع، وعند وصولنا لأول محطة وقود كانت عشرات سيارات الأجرة تغلق الشارع وهي تنتظر وعودا بوصول الوقود، تقدم معتز إلى العامل في المحطة وسأله إن كان بإمكانه ملء الجالون، فأجابه العامل “للأسف منذ أسبوع لم تدخل قطرة وقود واحدة هنا”، مشيراً إلى طوابير الانتظار الطويلة في مدخل المحطة وهو يقول “هؤلاء ينتظرون كما ننتظر نحن، لكنني لا أعتقد أن أي كمية من الوقود ستصل”. أدار معتز ظهره وانطلق مع “الشرق” إلى محطة وقود أخرى وثالثة ورابعة لكن دون فائدة، ما اضطره للعودة خالي الوفاض إلى والده الذي يشبه حاله حال الأغلبية العظمى من الصيادين الذين توقفوا تماما عن الصيد، فالنقص الحاد في الوقود و الكهرباء في قطاع غزة امتد ليؤثر على مختلف المهن وخاصةً المشتغلين في قطاع الغذاء، وبدأ الغزيون يشعرون بنقص كبير في المواد الغذائية بما فيها الرئيسة منها كالخبز الذي أعلنت المخابز أنها ستتوقف عن إنتاجه 12 ساعة يوميا على أن تتوقف بشكل كامل خلال أيام قليلة، وهو نفس ما يواجه أصحاب مزارع الدواجن الذين توقفوا عن تفريخ أفواج جديدة، وكذا أصحاب ثلاجات حفظ الخضار واللحوم. تصاعد الأزمة دفع وزارة الزراعة في حكومة حماس للتحذير من توقف قريب لمطاحن القمح عن العمل وتعطل مصانع الأعلاف ومصانع منتجات الألبان وحلّابات الأبقار عن الإنتاج، إضافة إلى تلف المحاصيل الزراعية المحفوظة في الثلاجات الكبيرة، وكذلك الأدوية البيطرية التي تحفظ في مستودعات الأدوية والثلاجات الصغيرة، وهو ما يعني قرب وقوع كارثة غذائية في القطاع. من جهته، يقول صاحب مزرعة لتربية الدجاج، محمد نصر، ل “الشرق” إنه اضطر لتقليص عدد الدواجن التي يربيها ما تسبب له في خسائر كبيرة. ويضيف “قلصت عدد البيوض التي يتم تفقيسها، بسبب نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، ما أدى لرفع أسعار الدجاج، ومع ذلك لا أستطيع استرداد المصروفات”، محذرا من أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى موت كل الأرواح الموجودة لديه. أما محمد نعيم (53 عاما، صاحب محل لبيع الدجاج) فيقول ل “الشرق” إنه لم لم تمر أزمة على البلد مثل هذه الأزمة، موضحا أنه اضطر لإغلاق محله منذ أسبوعين لعدم وجود الكهرباء والوقود.