الدمام – عبدالوهاب العريض السبع: المشهد الشعري لا يحتاج صوراً كربونية أقل جودة من الأصل الحرز: ينبغي كتابة قصيدة اليوم بعينين متشوقتين إلى المستقبل السفر: التحولات في العالم العربي لن تكون جرس انقلاب في كتابة الشعر العلي: قراءة الشعر ليست ممكنة بغير قصيدة النثر في زمن الاتصالات يؤكد الشاعر حسن السبع أنَّ القصيدة الجديدة يفترض أن تختلف عمّا كان سائداً في المشهد الشعري العربي، في رده على تساؤل ل»الشرق»، عن وقوف الشعر على أعتاب مرحلة جديدة، مع المتغيرات السياسية والفكرية والاجتماعية، في العالم العربي، وكيف سيكون شكل القصيدة الجديدة؟ ويرى الشاعر محمد الحرز أنَّ «شرط القصيدة، هو تجديد الحياة وتأويلها، في الوقت نفسه»، فيما يرى الشاعر أحمد العلي أنها «فعلٌ حميميٌ ذاتي، نابعٌ من الذات وتقلباتها»، ولا ينتظر الشاعر عبدالله السفر انقلاب القصيدة مقابل تلك المتغيرات السياسية في العالم العربي، ويقول «لا ننتظر من التحولات الأخيرة في ساحة العالم العربي أن تكون جرساً لانقلاب في كتابة الشعر». تغيير السائد ويقول السبع إن «الشعر تعبير عن الذات، ومن ثمّ فهو تعبير عن رؤية خاصة، ومزاج شخصي، إلا أنه لا ينفصل عن الحياة ومتغيراتها. لكن ليس بالشكل الذي ينظّر له أو يتصوّره دعاة الالتزام. الحلم الإبداعي ليس وظيفة، والإبداع والإكراه، لا يلتقيان»، مؤكداً أنَّ «الالتزام حرية، في اختيار الفكرة والموقف، نابعة من داخل الإنسان. ولذلك فإن أي التزام يقمع المخيلة، ويجند الفن لخدمة أيديولوجيا ما، هو شكل من أشكال الإلزام». وفيما يتعلق بشكل القصيدة الجديدة، يوضح أنَّه «يتعذر أن نتصور شكلاً محدداً، لكن يفترض أنْ تختلف عمّا كان سائدا في المشهد الشعري العربي، فلا تستمد ألقها من منمنمات البديع، وجعجعة الأوزان، وطنين القوافي، بل من سحر المخيلة وبروق اللغة، ومن البساطة والعمق، أي من عمق العبارة الشعرية وعفويتها». ويذكر أنه من المفترض «في النص الجديد، كذلك، أن لا يكون صدى باهتاً قادماً من الماضي، فالمشهد الشعري ليس بحاجة إلى صور كربونية أقل جودة من الأصل. وألّا يتكئ الشاعر على عكاز الإلقاء، أو يكرر مألوف القول، أو يلوّح بعصا الأيديولوجيا، وحماسة البيانات السياسية، التي لا تخدم الإبداع الشعري. أو يوغل في متاهات تدفق لغوي ذهني، له بداية وليس له نهاية، أو يستعرض صوراً شعرية ملونة زاهية دون هدف، فكأنها تماثيل جميلة، لها عيون ساحرة لا ترى، وآذان بديعة لا تسمع. أو أن يركب موجة الإبهام والتعتيم، كيفما اتفق، ليخفي فقر المضمون ورثاثة الغرض وبؤس الرؤية». رؤية للمستقبل أما الشاعر محمد الحرز، فيقول «أجد الشعر في منطقة مختلفة تماماً، الشعر يبدو لي انعكاساً داخل تحولات الفرد الروحية والنفسية والاجتماعية والثقافية، ومن ثم هو أيضاً تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية أيضاً». ويتابع «لحظة تقاطع ما بين الذاتي والاجتماعي، هي اللحظة التي نعول عليها كثيراً، لتغيير خريطة الشعر، وهذه اللحظة لم نصل إليها في حياتنا اليومية إلى هذه اللحظة». ويشير الحرز إلى أن «شرط القصيدة، هو تجديد الحياة وتأويلها، في الوقت نفسه»، موضحاً أن القصيدة الموروثة، عكس ذلك، فهي «التي تتغلغل في عروقنا حد التخمة، وعليه من يكتب القصيدة اليوم، ينبغي أن يكتبها بعينين متشوقتين للمستقبل لا إلى الماضي، وأن يضع قدمه على الجسر الذي يوصله إلى نهر الشعر، بذاكرة متخففة من الماضي، وببلاغة أكثر خفة من الطائر نفسه». ويقول إنَّ «هذه مجرد أمنيات شاعر، لكن كيف تتحقق؟ هنا ننقل إلى ما يمكن أن أسميه شروط الحياة الموضوعية للتغيير، هذه الشروط ترتبط أساساً بإغناء الحياة اليومية، بالتأمل الروحي والمادي للعالم والإنسان والكون». ويضيف «بناء على هذه الفكرة، وكما يقول توفي با، كيف يمكن أن ننظر إلى مستقبل القصيدة في ظل وجود أسلحة دمار شامل في العالم؟ كيف يمكن أن نفكر في مخيلة مفتوحة على العالم في ظل هذا الرعب المزروع في قلب الحياة المعاصرة؟ ألا يمكن أن تنتهي الأسطورة المرتبطة بالشعر عند حاجز هذه الأسلحة، أم أن مخيلة الإنسان أكبر بكثير من جميع هذه المعوقات بالنهاية؟»، موضحاً أنه يتصور أن «ما يدفعنا للالتصاق بالشعر، أكثر من أي وقت مضى، هو هذا الأساس المرتبط بالرعب المستشري في عروق العالم». ثورة مبكرة من جانبه، يقول الشاعر عبدالله السفر: «منذ زمنٍ ليس بالقصير، أخذ الشعر ينأى بنفسه عن أن يكون صوتاً؛ سياسياً أو اجتماعياً؛ وجهاً صارخا للأيديولوجيا على أية زاوية نشاؤها. كان ذلك الاستتباع للشعر إلى قاطرة السياسة، وما يسمّى ب «المتغيّرات» ووجوبية مواكبتها والسير تحت وقع خطواتها، جنايةً عليه، واختصاراً له، في جانب وظيفي يلغي جماليته. وهذا ما انتبه له تيارٌ لا يستهان به من الشعراء، فقطعوا مع الدور التقليدي ونبرة الرسالة المطلوب منه أداؤها، وساروا في طريق الانشغال بالعملية الإبداعية، وصلتها بشواغل الذات المفردة في العالم، لا كمفردة متجانسة تسعى إلى ما يضاهيها فتستنسخه وتعيد تظهيره». ويتابع «ومن هنا، لا ننتظر من التحولات الأخيرة في ساحة العالم العربي أن تكون جرساً لانقلاب في كتابة الشعر. ذلك أن الشعر نفسه ثار مبكّراً على سلطة «الصوت» المفروض، وخرج على سكة الأشكال المستقرة، والمضامين الجامدة، والتي باتت عبئاً، وشارفت حد الاستنزاف، حتى ما كان متوهجاً ضارباً، ناله الإعياء وأذبلَهُ التكرار»، موضحاً أن هذا ما تسميه الناقدة سلمى خضراء الجيوسي «بالإشباع الجمالي، الذي يتأدّى إلى ابتكار خرائط وحقول وآفاق تحفل بما هو مختلف، تضرب في عروقه الجدّة، إنْ من جهة البناء وتجريب القول، أو استثمار المناخات الإبداعية في شتّى تمظهراتها الجمالية، أو صياغة التجربة الشخصية في العالم، كمأزق، أو كعيشٍ تتدبّره الذات الإنسانيّة شعرياً». ويضيف «الخلاصة أن شجرةَ الخريف في الشعر تنفض أوراقها مبكّراً، وتصنع ربيعها الخاص، وإنْ لم يكن ضمن أوراق التقويم العامة». تحد للنفس أما الشاعر أحمد العلي فيرى أنَّ السؤال عن ماهيّة الشعر وسرّ جماله، لايزال قائماً، كما هو الحال مع باقي الفنون. ويقول «هذا السؤال عن الماهية عاشه شعراء عرب كُثُر بطريقة التقبل، أي أن الشعر هو «إلهامٌ» ما، يجيءُ متى يحلو له المجيء، وليس عليك سوى انتظار تلك اللحظة الشعرية. وهذا ما أودى بكثير من الشعراء الذين كتبوا نصوصاً عظيمة إلى التوقف فترات طويلة عن الشعر، في انتظار تلك اللحظة الجمالية مجهولة المصدر». ويضيف «أميلُ إلى رفض هذا المنطق التقبّلي، منطق انتظار جودو، بالاعتقاد أن الشعر هو اشتغالٌ محض على أداة اللغة، اشتغال واعٍ واختيار». موضحاً أن «اللحظة الجمالية لا تجيء من الغيب»، بل تأتي من «التفكُّر وتنمية غريزة الشعور بالجمال، وعلى هذا أن يوافق ساعداً تمرسَ على تطويع لغته الخاصة وتطويرها، دقّاً ونحتاً وصقلاً»، لافتاً إلى أنَّ «على الشعر أن ينتقل، كما انتقلت الفلسفة، من السؤال عن مصدر الكون والطبيعة، إلى التعامل معها وتطويعها». ويتابع العلي «بهذا المعنى، يمكن القول إن الفن (الشعر) بشكل عام هو فعل حميمي ذاتي، نابع من الذات وتقلباتها. فإذا كانت المتغيرات السياسية والفكرية والاجتماعية غير المسبوقة في العالم العربي، تؤثّر على الذات الشاعرة بشكل حميمي، فلن تترجَم إلا إلى مزيد من الاشتغال على الأداة اللغوية وتفجير إبداعٍ غير مسبوق». ويزيد «ومن هنا، يُمكنُ القول أن الشعر العربي لايزال يتحدى نفسه فقط، في غياب أو تخلف أغلب الفنون الأخرى، التي وصلت إلى مراحل متقدمة جداً من التطور والإبداع في العالم خارج اللغة العربية. ويؤكد العلي أهمية قصيدة النثر في الوقت الحالي، بقوله «إذا اتفقنا على أن الشعر هو قراءة جمالية للواقع والغوص فيه، فإن هذه القراءة الآن، في زمن الاتصالات الحالي، ليست ممكنة بغير قصيدة النثر»، لافتاً إلى أن «بداية المدنية الحديثة، والتحديث في العالم العربي، اقتضت الانتقال من العمودي إلى التفعيلة، للتعامل مع واقعٍ مغاير لا يمكن التعبير عنه إلا بتلك الطريقة». مختتما حديثه بقوله «لسنا نعيش الآن مدنية بدائية، نحن نعيش ما بعد المدنية، إنه واقع ليس يوصف، في رأيي، إلا بالنثر، على أساس أن الشكل الشعري مرتبط بواقع معين يقتضي وجوده». محمد الحرز