تسعى بعض وسائل الإعلام نحو تنمية بلدانها والمساهمة في تقدمها لا سيما إذا سادت علاقة تشاركية بينها وبين المؤسسات الحكومية التي تقدم خدماتها للمجتمع. إن المتأمل حالياً في طبيعة تلك العلاقة يلمس قدراً من عدم الانسجام والفهم الواضح لأهمية بناء علاقة تكاملية هدفها السعي نحو تطوير الخدمات المقدمة للمواطن. تتسم العلاقة بين المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام بين المد والجزر وتفتقر لدى بعضها إلى قواعد العمل والاحترام المتبادل بين الجانبين، حيث يشوب بعضها حالة من عدم الثقة. مع التطور المتزايد ونمو قطاعات الأعمال في السعودية نجد أنه ما زالت بعض مؤسساتنا الرسمية تتعامل مع الإعلام كما كان الحال قبل عشر سنوات، إذ انحصر دورها في إرسال الأخبار والمواضيع الصحفية المعدة سلفاً من قِبل إدارات العلاقات العامة فيها إلى الصحف ليتم نشرها في الغالب دون تغيير جوهري في مضمونها. إن هذه الممارسات كانت مقبولة قبل عقد من الزمان، حيث لم يكن التغير بهذه السرعة، أما الآن فواقع الحال تغير وبعض المنظمات الرسمية غير قادرة على استيعاب المرحلة الجديدة والتحول نحو آفاق واسعة في العمل الاتصالي والإعلامي المحترف. ويكفي أن نلقي نظرة على بعض الجهات الحكومية لنجد أن ثمة فجوة بين الواقع والمأمول الذي تعيشه تلك المؤسسات، إذ إن عجلة التطوير بطيئة ولا ترتقي للتطورات المتسارعة في حقل الممارسة الإعلامية الاحترافية التي أصبحت مطلباً مهماً للقدرة على المنافسة وإيصال الرسالة الصحيحة في عالم متغير. ولا بد أن يدرك قائد المؤسسة أهمية التطور والممارسة الإبداعية من خلال التحول إلى العمل الإعلامي المنظم الذي يملك رؤية ورسالة وأهدافاً، وأن يتم التعامل مع المجتمع من أفراد ومؤسسات على أنهم عملاء يستحقون من المنظمة تقديم أفضل الخدمات والمنتجات، ولا يمكن الوصول لتحقيق هذا الطموح إلا بالعمل الجاد لتغيير العقول والأفكار لتقبل الإبداع والتغيير الإيجابي نحو الممارسة الأفضل. لقد أصبحت السمعة صناعة «Reputable industry» مهمة في العالم، حيث تحرص عديد من المنظمات والمؤسسات الحكومية والشركات على العناية بها وتطبيق الخطط النوعية التي تقود لصناعة سمعة متميزة عن المنشأة ومنسوبيها وما تقدمه من خدمات، حيث أضحت المنافسة السمة الأبرز للحرص على كسب رضا العميل ومعرفة احتياجاته ورغباته. إن أبرز مشكلة قد تواجه بعض المؤسسات الحكومية وقطاعات الأعمال هي النظرة القديمة التي لا تزال حاضرة في أذهان بعض القيادات العليا فيها، حيث يرى بعضهم أن المؤسسات الرسمية لا تحتاج لتسويق عملها للجمهور على اعتبار أنها الجهة الوحيدة حالياً التي تقدم تلك الخدمة للمواطن وليس «العميل»، أي أنه لا توجد جهات أو مؤسسات أخرى منافسة تقدم ذات الخدمة أو المنتج، وبالتالي فلا حاجة للخوف على سمعة المؤسسة لدى الجمهور طالما أننا نحن الوحيدون الذين نقدم تلك الخدمات. وإذا أرادت المنظمات في المملكة إحداث تغير إيجابي في أدائها الإعلامي فإن هناك خطوات لابد من اتباعها للوصول إلى التحول المطلوب نحو الأداء الإعلامي الاحترافي في المؤسسات الرسمية وفق استراتيجيات منظمة تهدف لصناعة سمعة إيجابية ذات مصداقية لدى العملاء من خلال العمل على تطبيق بعض الإجراءات التي من شأنها رفع مستوى الممارسة، وهي: العمل على تغيير أساليب الأداء من التقليدي السائد إلى العمل الاستراتيجي التنفيذي المنظم وفق خطط واضحة ومدروسة تبنى على احتياجات المؤسسة والعملاء وتراعي عوامل الوقت والكلفة والمخرجات. اختيار القيادات الإعلامية ذات الكفاءة التي تملك التخطيط الاستراتيجي «Strategic Planning» والخبرة العملية الكافية للنهوض بالعمل الاتصالي في المؤسسة. تنمية وتطوير الموارد البشرية الموجودة بما ينسجم مع رؤى وتوجهات المؤسسة الرسمية ورفع الكفاءة الإعلامية لتلك الكوادر من خلال التدريب والتطوير المستمر وفق برامج وخطط معدة لهذا الغرض. إفساح المجال للقيادات الإعلامية الشابة التي تجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الاحترافي لقيادة دفة العمل الاتصالي. إنشاء البرامج والمبادرات الطموحة التي تهدف إلى تعزيز دور المنظمة في المجتمع السعودي. العمل على تغيير الفكر العملي السائد لدى كثير من المؤسسات والجهات الحكومية إلى النظر للمواطن على أنه عميل ويستحق تقديم أفضل الخدمات والمنتجات. تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاته بأسلوب فاعل، بحيث لا يقتصر دور المؤسسة على نشر أخبارها، وإنما العمل على أن تكون المؤسسة فاعلة ومتفاعلة ومؤثرة في إيصال رسالتها للعملاء عبر مواقع التواصل والشبكات الاجتماعية. دراسة آراء العملاء واقتراحاتهم والعناية بها ووضع الحلول المناسبة لها. إنشاء مركز اتصالات موحد وغير تقليدي لخدمة عملاء المؤسسة على مدار الساعة يتم تقييم عمله وفق آليات الجودة ومقاييس الأداء المعتمدة. تفعيل دور المتحدث الرسمي في المؤسسة وتطوير طبيعة عمله بما يحقق الأهداف المنشودة في إيصال المعلومات بطريقة صحيحة وبأسرع وقت. ابتكار برامج الولاء لعملاء المؤسسة خارجياً ولمنسوبيها داخلياً بما يحقق مكانة المؤسسة لدى العملاء الداخليين «الموظفين» والخارجيين «العملاء المستفيدين» ويغرس لديهم رسالة وقيم وأهداف المؤسسة. استقطاب الكفاءات الإعلامية الطموحة للعمل في إدارات العلاقات العامة والاتصال المؤسسي. الاهتمام بمجال ريادة الأعمال والعمل على إشراك المؤسسة في هذا المجال الحيوي الرائد.