فيما يعقد صباح اليوم الملتقى الثاني للجمعية السعودية للعلاقات العامة والإعلام، والذي سيناقش مقومات النجاح ومسببات الإخفاق، في إعلام العلاقات العامة، كان ل"الوطن" حوار مع رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور محمد الحيزان، كشف فيه وجود فهم خاطئ لمفهوم العلاقات العامة، نتجت عنه ممارسات خاطئة تشمل الجانب الأكاديمي، وواقع الممارسة العملية. وانتقد الحيزان مخرجات الأقسام الأكاديمية، مطالبا بإعادة هيكلتها، وتحويل إدارات العلاقات العامة بالقطاعات الحكومية إلى إدارات خاصة ب"البروتوكولات" و"المراسم"، لافتا إلى أنها أغرقت بمهام ليست من اختصاصها، وقال إن هناك من يحاول إقصاء الأكاديميين بحجة "التنظير" خشية كشف المستور، هنا نص الحوار: ما الذي سيعالجه الملتقى الثاني للجمعية؟ سيتركز حول محور إعلام العلاقات العامة، سواء فيما يتعلق بالأداء الإعلامي لإدارات العلاقات العامة، أو فيما يتعلق بالعلاقة المتبادلة بينها وبين وسائل الإعلام، مؤملين أن يسهم تناول هذا الشق في بناء جسور وثيقة بين الطرفين لا سيما وأنهما في حاجة ماسة لبعضهما البعض، واهتمام الجمعية بهذا الجانب هو امتداد لخطة وضعتها الجمعية لمعالجة الأركان الأساسية للنشاط، ابتداء من المفهوم الذي تم تخصيص الملتقى الأول لتجليته لما يعانيه من غموض في التعريف، وأخطاء في المزاولة، وكان عنوانه "العلاقات العامة.. جدلية المفهوم، وإشكالية الممارسة"، وبعد تحديد التعريف الحقيقي وكيفية العمل في إطاره، اتجهنا لتناول الموضوعات الأخرى، ومن بينها موضوع الملتقى لهذا العام الذي دعونا فيه عددا من البارزين فيه من مؤسسات تعليمية ومهنية عديدة، ونحظى هذا العام بمشاركات عربية، ومحلية، بما فيهم الإعلاميون، والممارسون للعلاقات العامة. بمناسبة الحديث عن الملتقيات العلمية، الملاحظ أنها غالبا ما تبدأ من نقطة الصفر، وهو ما يخلق فجوة كبيرة بينها وبين الواقع العملي؟ هذا صحيح، ونحن قمنا بذلك في ملتقانا الأول لأن الإشكالية، وخاصة في العلاقات العامة، تكمن في أنه لا يوجد لها تعريف متفق عليه بشكل شامل، ولو راجعت أدبيات العلاقات العامة، ستجد من التعريفات الشيء الكثير - وبحسب رأيي - فإن العلاقات العامة في العالم العربي، تمارس كنشاط مختلف عما يحب أن تكون عليه، فما يمارس الآن في مؤسساتنا في غالبه خارج عن إطار التعريف لسبب الترجمة الخاطئة لمصطلح العلاقات العامة Public Relations، والذي ترجم بشكل خاطئ، فالكلمة بالترجمة الدقيقة تعني "علاقات الجمهور"، ولكننا بهذه الترجمة ننسب أي نشاط عام لها، ولو أعدنا ترجمتها من اللغة العربية للإنجليزية بوضعها الحالي ووفقا لما يمارس لأصبح General Relations فالعلاقات العامة في مؤسساتنا تمارس النشاطات العامة، وليس النشاطات التي تخص الجمهور. ولكن، هناك أكاديميون يدرسونها لطلابهم في الجامعات بهذه الطريقة الخاطئة، وأعتقد أن هذا خطأ جسيم، وهذا نتاج تراكمات سابقة، ولم يحاول أحد أن يضع الأمور في نطاقها الصحيح. ولكنكم في الجمعية لم تحاولوا إصلاح الخطأ، بدليل مسمى الجمعية؟ هذا صحيح، والجمعية كان عليها أن تبدأ نشاطها بالمسمى الدارج حتى تكسب تفاعل العاملين في إطار هذا المسمى، ولا يمكن أن تجد القبول المطلوب لو جاءت تحت مسمى آخر، ولكن من الأمور التي أطالب بها، بأن تغير العلاقات العامة مسماها لو اضطرت لذلك، وهذا عملت به على المستوى الشخصي إبان عملي في هيئة السياحة، حينما طالبت بتسمية الإدارة المعنية بالعلاقات العامة، بإدارة الإتصال والإعلام، حتى نبقى في إطار العمل الاتصالي، وأؤكد هنا أن العلاقات العامة نشاط اتصالي، بينما الممارس الآن هو نشاط خدمي (بروتوكولات، استقبالات.. إلخ) ، ومن الأمور المؤسفة أن المهام التي ليس لها إدارات معنية تسند لإدارة العلاقات العامة، وبلغ الأمر بالبعض إلى اللجوء لإدارات العلاقات للقيام بمهام مثل توفير الوجبات للموظفين أو الاشتراك في الصحف، أو حتى تشذيب الأشجار.. وكمثال لهذا المفهوم الخاطئ، اتصل أحد منسوبي إحدى المؤسسات، بمسؤول العلاقات العامة، يطلب توفير 20 وجبة، بدعوى أنها مسؤولة عن كل شيء! ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح بديل للعلاقات العامة Public affairs أي الشؤون العامة، هل تؤيد استخدامه كبديل؟ الشؤون العامة، نشاط أشمل، ويدخل فيه العلاقات العامة، وغالبا ما تستخدمه القطاعات العسكرية، لكن مصطلح "علاقات" أوثق من "شؤون" نظرا لأننا نتحدث عن توثيق علاقة بين طرفين، والأول لا يعطي إيحاء ببناء علاقة مع الجمهور، وهو ما يخالف الهدف من النشاط الاتصالي الذي يستوجب وجود طرفين، بينهم تواصل مستمر. نشاط وكالات العلاقات العامة، غالبا ما نجد أنه لا يمت للتعريف الحقيقي بصلة، ويمارس كنشاط تجاري بحت، أين دور الجمعية في ضبط المسألة؟ أعود هنا لإشكالية المفهوم، فإذا كان خاطئا من الأساس، سينعكس تماما على الممارسة، والكثير من القطاعات الحكومية، وكذلك القطاع الخاص، ولكن بدرجة أدنى، بدأ فيها نشاط العلاقات العامة عبر أشخاص غير متخصصين، وكان يركز على النشاط البروتوكولي، أكثر من الاتصالي، وانعكس ذلك على النشاط الممارس، وبالنسبة للجهات التجارية، فهي عملت على تلبية حاجة تلك القطاعات، دون أن تكترث لكون الممارسة صحيحة أم لا. ولو كان لي من الأمر شيء، لأعدت تسمية تلك الإدارات، بأقسام البروتوكولات، أو الخدمات، والأسوأ في الموضوع أن تلك المهام الميدانية غير الاتصالية، استنزفت جهود إدارات العلاقات العامة، وأبعدتها عن جهودها الأساسية، التي هي بالمناسبة نشاط إبداعي، ومن ثم أصبح هذا العنصر مفقودا فيها، لانشغالها بجوانب أخرى، وهي مهام شاقة وتمثل إرباكا كبيرا. للأسف الشديد نحن خسرنا نشاط العلاقات العامة الصحيح، وهي التي تعد قوة ناعمة في التأثير، ويستثمرها الكثيرون من صناع القرار في دول العالم في إبراز الحقائق بالصورة المهنية، وليس بغرض الدعاية أو التضليل، وإنما هذه الإدارة تعكس النشاط الحقيقي لتلك المؤسسات، بالنشاط الاتصالي المهني الراقي، إلا أنها أصبحت عاجزة عن إعطاء صورة حقيقة للمنشأة، بعد إغراقها في مهام ليست من اختصاصها. ولعل من المفارقات أن يكون هذا النشاط الذي هو المسؤول عن الصورة الذهنية، يعاني بدوره من فقر مدقع في صورته الذهنية، ولذلك يجب أن تبدأ بنفسها. بنظرك.. ما هو علاج هذه المشكلة؟ الحل هو تغيير مسميات تلك الإدارات، إن كانت ستمارس نشاطا بخلاف "العلاقات العامة" لأنها تسيء إلى نشاط مهم وليس من حقها استخدام هذا المسمى، وتنشأ إدارات أخرى بمسميات تتواءم مع النشاط الاتصالي نفسه، وبذلك يمكن للعلاقات العامة أن تبعث من جديد لتقوم بدورها الصحيح، فهذا النشاط – على سبيل المثال – معني بهوية المؤسسة، ولا توجد حاليا مؤسسات تدرك هذا الجانب، وإذا كان القائمون عليها مدركين لهذا الشيء فهم مغمورون بأنشطة أخرى، كما أعتقد أنه آن الأوان أن تقوم الجهات العلمية والمتخصصة، بإعادة الأمور لنصابها الصحيح. ينظر البعض للعلاقات العامة، بأنها نشاط متشعب، برأيك، هل يمكن حصره في وظائف معينة على أرض الواقع؟ هذا يكمن في إعادة هيكلة الإدارة، ويتطلب تحديد المهام بشكل مفصل، واستحضار البعد الاتصالي، والعلاقة بالصورة الذهنية للمؤسسة، وما عدا ذلك يستبعد. لو تحدثنا عن الهوية، فهي تتطلب تخطيطا من قبل إدارة العلاقات العامة بالمنشأة، لكن انعكاسه يشمل أفراد المؤسسة كافة، وفي ظل ضعف الوعي بهذا المفهوم، كيف يمكن بلوغ أهداف الهوية، وتطبيق معاييرها؟ كلامك سليم، ولكن من المفترض أن كل موظف في المؤسسة ممارس لنشاط العلاقات العامة في أسلوب تواصله مع الجمهور، فمثلا: المسؤول الأول عن المؤسسة هو رجل علاقات عامة في الجانب الذي يختص بعمله، عندما يأتي الأمر للتواصل مع نظرائه من صناع القرار، ويجب أن تمنحه إدارة العلاقات الوسائل التي تعينه في إنجاز مهتمه تلك، وإلا كان هناك إخفاق من قبلها، وعدم توحيد لرسالة المؤسسة. إن الأخطاء الممارسة، تجاهلت هذا الدور، بينما ينبغي أن يكون أصغر موظف في المؤسسة موصلا لرسالة العلاقات العامة، فعامل الشاي والقهوة مثلا إذا لم يتمتع بروح معنوية عالية، ويتحدث بفخر عن مؤسسته، فذلك يعني أن الإدارة فشلت في أداء مهمتها، وينبغي أن تهيأ الأدوات لتحقيق ذلك، ومن أبسطها على سبيل المثال أن يتم منحه بطاقة عمل "بزنس كارد"، وانظر كيف سيتحدث عن ذلك، بروح عالية. بصفتك رئيس الجمعية، ألا تعتقد أن ربطكم العلاقات العامة مع الإعلان تحت مظلة واحدة فيه نوع من التهميش، والإرباك؟ أتفق معك، والأمر مطروح على مجلس الإدارة لإعادة النظر في هذا الموضوع، ولكنه بدأ من منطلق اعتقاد بأن النشاط الإعلاني، سيهمل ولن يحظى بإقبال العدد المطلوب لنشوء جمعية مستقلة، وتحمس بعض الإخوة الذين لهم اهتمام بالإعلان وطالبوا بضمه تحت جناح الجمعية، بشكل مستقل، ومع ذلك لم يحظ بالشيء الكثير، لأن الطلب على العلاقات أكثر، إلا أنه سيعاد النظر في ذلك. تصنف العلاقات العامة أحيانا كمدرسة مستقلة، بينما يضعها البعض في خانة الإعلام، وآخرون يضعونها في خانة التسويق، أيهم الأقرب للدقة؟ المظلة العامة لكل ما ذكرت، هو الاتصال، فهي أنشطة اتصالية، ومتخصصو التسويق أدركوا القوة المؤثرة لنشاط العلاقات العامة، ومن حقهم استخدامه كأداة لمساندة التسويق، ولكن تاريخيا عرف كنشاط إعلامي اتصالي، وكل التراكمات العلمية تصب في هذا الجانب. ولعلي أذكر في هذا الصدد أن تفريغ العلاقات العامة من روح الاتصال حري بأن يفقده أهميته، وهو أمر أخشى أن بعض أقسام الإعلام لم تتعامل معه بجد، ومما يؤكده أن الكثيرين من خريجي شعب العلاقات العامة لا يجيدون المهمة الاتصالية للعلاقات العامة، وبعض الأقسام تدرس موضوعات ليس لها علاقة عميقة بالاتصال، فأدى ذلك إلى أن تتجه بعض إدارات العلاقات العامة في المؤسسات إلى استقطاب خريجي الشعب الأخرى وبخاصة الصحافة أكثر من خريجي العلاقات العامة، لأنهم أكثر عمقا في تغطية المهام ذات الطابع الاتصالي. أليس ذلك عبارة عن خلل في الأقسام الأكاديمية؟ نعم، هو خلل في الطريقة التي فهم فيها هذا التخصص بالترجمة الخاطئة، وحاليا، هناك إقبال كبير على هذا القسم، ويعود ذلك لاعتقاد خاطئ بأن العلاقات العامة هي أسهل التخصصات لأنها لا تتطلب حسب فهم الطلبة دراسة المهارات الاتصالية، ونحن نطالب بإعادة هيكلة شعب العلاقات العامة، حتى تتمكن من تخريج أشخاص قادرين على ممارستها بالشكل الصحيح. مجالات العلاقات العامة واسعة، ومن الصعب لشخص واحد أن يتخصص فيها كافة، هل تجد أن ما يدرس حاليا كاف؟ هذا جزء من المشكلة، وأعتقد أنه لا بد من التعمق في دراسة التخصص الصحيح، وأخذه من منبعه بشكله الدقيق، والجهات المعنية بما في ذلك الجمعية والكليات المتخصصة عليها دور كبير في ذلك، ونحن سعداء بأن الجامعات التي أصبحت بها كليات للإعلام، بادرت بتحويل شعب العلاقات العامة ومساراتها إلى أقسام، لتلبية الاحتياجات المختلفة، للنشاط. تتهم العلاقات العامة، بممارسة الاحتيال والتضليل، بماذا ترد على ذلك؟ للأسف أن هذا هو الاعتقاد السائد لدى البعض عن نشاط العلاقات العامة، وهو مبني على فهم غير صحيح لمعناها ومهامها، ولا يمكن أن يحظى نشاط مثل العلاقات العامة باهتمام المؤسسات التعليمية وغيرها في القطاعين العام والخاص، للقيام بأدوار تتسم بمثل تلك الصفات السلبية، ولو لا سمح الله تجاوز أحد الممارسين له أخلاقيات المهنة، فإن من المؤكد أن حبل التدليس والتضليل قصير جدا، إذ إن من يمارس الكذب بعض الوقت ويعتقد أنه سيحقق شيئا من غايته، فإنه قطعا لن يصل إليه في سائر الأحوال، ومن يمارس بهذه الطريقة فسيخفق عاجلا أو آجلا، ولا بد أن ينكشف، والخطورة في الموضوع، أنه يقود مؤسسته للحضيض، وإعادة بناء ما تم تدميره، إن لم يكن مستحيلا، فسيكون من الصعوبة بمكان. هناك اتهام للأكاديميين، بانشغالهم بالتنظير، والبعد فيما يقدمونه عن واقع الممارسة. هذا سؤال مهم، ونسمع بكثرة أن الأكاديمي غير مدرك لواقع الحياة العملية، وأعتقد أن من ينطبق عليه هذا المعيار، مقصر بشكل كبير، ولكن يجب ألا يعمم ذلك، فهناك من يستغل هذا التعبير في إقصاء الأكاديميين، خشية كشف الأخطاء الحاصلة، ويتذرع بأنهم تنظيريون، ولكن الواقع يؤكد من خلال تجارب دخول الأكاديميين للممارسة في الإعلام – وهو المفروض – أن العديد منهم أبدعوا، ونجحوا في تطويرها، وعلى الأكاديمي الذي لم يدخل الحقل بعد، أن يعيد حسابات ويتدارك ذلك. أين تقف الجمعية من القضايا الناشئة، كقضية المتحدثين الرسميين في الأجهزة الحكومية؟ الجمعية حديثة النشء، وعمرها لا يتجاوز الأعوام الثلاثة، وقدمت دورات في الثقافة الإعلامية، والتعقيب والردود، واستراتيجية التعامل مع الصحف، وورش عمل لمديري العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية، وضمن هذه الدورات في جزء منها، تناول هذا الموضوع، إلا أنه يجب تعزيز ذلك فعلا.