كنّا نقول إن تلبُّس البشر بالأقنعة الشعورية حسب مقتضى الحال يعد تقنعاً واعياً يهدف لمزيد من التكيف والصحة النفسية التي تحسن بدورها مستوى التواصل مع الآخرين وفن التعامل مع المتغيرات والأزمات. وكقلب للمعادلة فإن الإنسان مخير بالظهور بوجهه الحقيقي أو تهميشه وتجاهله لغاية في نفسه، فقد يرى أن إخفاء الحقيقة أنجع للتواصل مع الآخر! وكشرح للتعجب الذي ينتابنا فإنه عندما نجتمع مع الآخرين في أماكن مختلفة غير التي اعتدنا أن نراهم فيها نلمس وجوهاً أخرى للتعامل مغايرة تماماً، هذا ثبوت أننا المتحكم الرئيس فيه باعتباره جزءاً من حقيقتنا، والإنسان يخير، وأحياناً يجبر على الظهور بشكل مختلف عن طبيعته في حالات ليس هو من تسبب فيها، لذا فالقناع والوجه لا يصنفان كمادة، فلابد من توافق ما بين المظهر «السلوك» وما بين الجوهر «الشعور»، ولو ظهر كل امرئ على حقيقته لنعت بالدروشة؛ مع أن الدرويش أكبر متخفٍّ بكل مهارة «فقد ينبع ارتداء القناع من قناعة!». مع أن الدرويش قانع بالقليل إلا أنه الكاسب الأكبر! لأنه لا يؤاخذ على العته الذي يتلبسه فيقول ما يريد وينقد الآخرين ومع هذا يقابل بالقبول والابتسام، الطريف أن بعضهم يستمرئ القناع حتى يصير الوجه الحقيقي له! كل ما هناك أن الأقنعة اتهمت بالخيانة وقدمت للمحاكمة وهي تستحق التكريم! فلولاها لما بقي هذا العالم ينعم بالحب! فلماذا إذاً نفترض السوء في إخفاء الحقيقة؟ وهل ليس للإنسان إلا حقيقة واحدة؟! فالمحارب، والمسافر، والخائف، والشخصية المهمة، والمحزون، والشرس، والمعلم الصارم كلهم يتقنعون بالضد، ومثلما هناك مزج بين القناع الخير وصاحبه هناك أيضاً علاقة بين القناع الشرير وصاحبه، بل يكتسب الشخص مهارة التعامل بوجوه عدة كلما خاض تجارب مختلفة كالطبيب والاختصاصي الاجتماعي.. وما زال للحديث بقية.