يشتغل الفنان التشكيلي فيصل سمرة في مشروعه الأخير «واقع محرف» على ثقافة الصورة التي تحولت إلى وسيلة تعبير استطاعت صناعة واقع من الأوهام ابتكرته الشركات التجارية ووسائل الإعلام، يروج لنزعات استهلاكية ودعايات استشراقية مغرضة، لخدمة مصالح منتجيها ولترويج أنماط التفكير السلبية stereotype ، كما يقترح أيضاً إعادة النظر في هذا المخزون البصري لاكتشاف التزوير الذي يظهر في هذه الصور المُجَمَّلة من خلال استعمال الوسائل نفسها التي صُنعت بها، فقد عُولجت الصور أيضاً بالكومبيوتر، مسلطاً الضوء على التلاعب بالمعاني الرمزية للأقنعة ودلالات التقنع، فيبرز ثيمات المظاهر والوهم في مقابل الحقيقة أو البديهيات. وفي معرض «واقع محرف» الذي يقام في جاليري البارح ضمن فعاليات ربيع الثقافة بالبحرين، في محطته الرابعة بعد عمان ودبي وباريس ، يسعى سمرة لعرض رؤيته على شكل عملية تفكيك مفاهيمية لإدراك ماهية «الواقع الافتراضي» بأشكاله المختلفة التي يمكننا معاينتها في صميم النسيج البصري لحياتنا اليومية، «وهي الصورة التي عن طريقها نريد أن نرى أنفسنا والعالم المحيط بنا بالتوازي مع حياتنا الواقعية، إذ إنه ومنذ أول تخطيط على الجدار قام به إنسان الكهف الأول، بدأت رحلتنا مع «الصورة»« لتصل، في زمننا المعاصر، إلى علاقة بالغة التعقيد، تؤثر فينا، بوعي ومن دون وعي حتى في أحلامنا». مضيفاً: «هنالك نوعان من منتجي الصورة، الأول: ««منتجو الصورة المبهرجة» الذين يُحرّفون الواقع بهدف إنتاج صورة تُخفي الحقيقة أو جزءاً منها لجعلها تبدو أحسن في أعيننا؛ لأننا بطبيعتنا نسعى دائماً إلى الأحسن ونتجنب الأسوأ. وعلى رغم نسبية ذلك لكل فرد منا، فإن هذه الغريزة الأساسية قد تم استغلالها لتحقيق أهداف مختلفة مثل الدعاية التجارية، ووسائل الخدمات العامة والاتصالات والاستهلاك السياسي. والحقيقة الخطيرة لهذه الصورة هي أنها، في معظم الأحيان، تُظهر ««الأسوأ» على أنه «الأحسن» «لتلميع المنتَج فقط من أجل بيعه وشراء مساحة في حقلنا البصري». أما النوع الثاني كما يقول فيصل سمرة، فهو ««مُنتجو الصورة غير المُبهرجة»، وهم يُحرفون الواقع لإنتاج صورة تقاوم من أجل إظهار الحقيقة وتعرية الواقع كما هو، وتعالج «الأسوأ» قبل «الأحسن». إنها الصورة في الفن. وأكد أن «الصورة التي أنتجها مناقضة للصورة ««المبهرجة»، «ولكن باستخدام الأدوات نفسها (الأداء، التصوير الرقمي، الكومبيوتر والفيديو)؛ للوصول إلى مدلول فني مغاير عن طريق مناقضتها من داخل نسيجها البنائي». ويتحدث الفنان السعودي فيصل سمرة المقيم بالبحرين عن رؤيته للكيفية التي يختبر فيها الواقع من خلال الفن قائلاً: «أؤمن إيماناً راسخاً بأن على الفن أن يتولى الكشف عن الحقيقة العارية، وأن يزيل القناع عن الواقع المتخفي. ما نراه اليوم في العالم المحيط بنا ليس حقيقياً. الفن يتوغل إلى داخل الغطاء الخارجي المزوّر للأشياء التي نختبرها بشكل سطحي في حياتنا. وبالحفر، مروراً بالطبقات المتراكمة للادعاء، يحاول الفن الكشف عن الحقيقة التي تقبع متخفية في الداخل.