يتعرض المعلم/ المعلمة عبر تاريخنا إلى الازدراء، وهو في ازدياد بسبب عوامل كثيرة، ولعل من أهمها أنه لم يعط حقه من التقدير الوظيفي الذي يتناسب مع الدور العظيم الذي يقوم به. لقد ساهم المسرح والسينما في التقليل من شأن المعلم، وأظهراه في صورة لا تليق به، ولا تخلو الذاكرة من أسماء كتاب وممثلين كان لهم دور مؤثر في ذلك، وما يزال المعلم يعاني من تبعات ذلك كله. قرأ كثيرون لأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته في المعلم، وحفظوا البيت الأول منها، وهو بيت مشهور ما زال يتردد على الألسنة في كل مناسبة: قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا ومنها قوله: أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا وكذلك قوله: وَإِذا المُعَلِّمُ سَاءَ لَحظَ بَصيرَةٍ جاءَت عَلى يَدِه البَصائِرُ حُولا لكن إبراهيم طوقان – الذي امتهن التعليم – ردَّ على شوقي، ووصف فيها معاناة المعلم، وتتبع همومه، وما يقاسيه من متاعب، ومن قصيدته هذان البيتان: وَيَكَادُ يَفْلِقُنِي الأَمِيرُ بِقَوْلِهِ كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولا لَوْ جَرَّبَ التَّعْلِيمَ شَوْقِي سَاعَةً لَقَضَى الْحَيَاةَ شَقَاوَةً وَخُمُولا في الخميس الماضي تم تداول قول منسوب إلى الدكتور أحمد العيسى – وزير التعليم – إن المدارس الحكومية باتت تفتقر إلى المعلمين الحقيقيين، حيث أصبحت العملية التعليمية تقتصر فقط على التلقين، بتقديم المعلومة للطالب دون منحه فرصة للبحث والاستكشاف والمشاركة بالتساؤل». قول الوزير – إن ثبتت نسبته إليه – محبط جدًا للمعلمين والمعلمات بل يتعدى إلى إحباط الطلاب والطالبات، والأسرة والمجتمع، ألا يجب على من يود لفريقه النجاح والتميز في تحقيق الأهداف أن يكون محفزًا؟ في الموقع الرسمي لوزارة التعليم وجدت الخبر تحت عنوان: «وزير التعليم يفتتح ورشة علمية عن مناهج المدارس العالمية» ومن كلمة الوزير قوله إن نجاح المدارس العالمية بتقديمها تعليما نوعيا، وتطبيقها مناهج نوعية، وتركيزها على تطوير قدرات معلميها ومعلماتها، وأن المدارس العالمية إضافة جيدة للتعليم، وقدمت خبرات ساهمت في تطوير المناهج وبعض المؤسسات التعليمية. قول معاليه هنا يفتح سؤالًا ملحًا: هل إمكانات المدارس الأهلية العالمية – البشرية والمادية – أكبر من إمكانات وزارة التعليم أم إن الوزارة عاجزة عن التطوير؟ تحدث الوزير عن ملاحظات على المدارس العالمية تتعلق بالهوية الوطنية في مواد الدين واللغة العربية والاجتماعيات، وحث على وضع تصور لردم الفجوة، ولم يسلم التعليم العام من نقد معاليه في كلمته المنشورة مقارنة بالتعليم في المدارس الأهلية العالمية حيث جاء ما نصه: «الفصول الدراسية في التعليم تعتمد على دور المعلم بشكل أكبر، وجعل الطلاب يعتمدون على الجلوس والاستماع دون نقاش، متمنيًا ألا تقل جودة وأهمية المدارس الحكومية عن المدارس الأهلية العالمية». لطالما سمعنا المثل الشعبي المصري الذي يقول: «المناطق سَعْد» أما المتنبي – اسمه أحمد أيضا – فيقول: لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مَالُ فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ أعان الله المعلمين والمعلمات وهم يتلقون هذه اللكمة القوية من وزيرهم، وما موقف قائد المدرسة أو قائدتها عندما يحتاجان إلى إيصال توجيه معلم أو معلمة، هل سيكون الرد أنا معلم غير حقيقي أو أنا معلمة غير حقيقية؟ وماذا لو جاء السؤال من طالب أو طالبة على وجه السخرية: هل أنتَ يا أستاذ معلم حقيقي / هل أنتِ يا أستاذة معلمة حقيقية؟ المعلمون والمعلمات والمهتمون بشأن التعليم من المغردين، لم يرق لهم الأمر، وبدأوا التغريد تحت وسم #العيسى_يهاجم_المعلمين ومنها: – ما يحزننا أن أغلب المعلمين والمعلمات يقومون بدفع مبالغ مالية من رواتبهم لشراء مستلزمات لإنجاح العملية التعليمية وهدايا للطلاب. – الوزير جعل الجميع يكره التعليم في فترة وجيزة، وجعل المعلمين يذهبون للتقاعد، وجعل العاطلين يتحطمون نفسيًا. – إذا رأيت الوزير يهين موظفيه، ويلقي اللوم عليهم فهذا يعني أنه يحاول تبرير فشله. – أحد المغردين وضع صورة مطبخ – في زاويته سخان – تحول إلى فصل دراسي، وعلق عليه بقوله: أحد فصولنا النموذجية. – ومغرد آخر وضع صورة معلم يقف مع طالب أمام باب المدرسة في انتظار والد الطفل. هل من المعقول أن يتحمل المعلمون والمعلمات أعباء العملية التعليمية بمفردهم، فحالهم مع وزارة التعليم كحال مَن ألقي في اليم مكتوفًا وحذرَ من الابتلال بالماء؟ وقفة: شاهدت على (YouTube) اللقاء التليفزيوني مع وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى – قبل توليه المنصب – لتحقيق «تعليم لائق» بالمملكة.