صديقنا إدريس الدريس كتب في الوطن مقالين طريفين عن بعض مظاهر العنصرية المناطقية في مجتمعنا. فمن «طرش البحر» إلى «صفر سبعة» ضاع نصف الوطن. المشكلة أن تنشأ أجيال بقناعة أنها هي وحدها الوطن ومن غيرها ليسوا سوى «ملاحق» تابعة. تلك النظرة العنصرية تتحول من «كلام» للتندر بالآخرين إلى موقف في التعامل وربما في اتخاذ القرار. يقول المثل الغربي: «حبني أو اكرهني لكن لا تتجاهلني». بمعنى آخر: احتفظ بعنصريتك لنفسك ولا تقحمها في تعاملك مع الآخرين أو في قراراتك في العمل، كأن تمارس الظلم في عملك ضد من تظن أنه «دخيل» على الوطن ممن تسميهم «طرش بحر» أو «صفر سبعة». العنصرية غالباً ما تنشأ بسبب الجهل بثقافة وتاريخ الآخر، يمارسها غالباً من نشأ على فكرة أنه هو «الأصل» ومن سواه ليس سوى «الفرع»! وحتى نكون منصفين، فهي -العنصرية- مرض قليلاً ما يسلم منه أحد. فمن ينزعج من «صفر سبعة»، كيف ينظر لغيره بأنهم مجرد «طرش بحر»؟ أو كيف يتعالى، بعنصرية، على من لا ينتمي لقبيلة؟ إنها أمراض خطيرة تبدأ أحياناً كنكتة ثم لا تلبث أن تتحول إلى «وصمة» ثم مواقف في النظرة والتعامل واتخاذ القرار. مرة عيرني -مازحاً- زميل دراسة أيام الجامعة في الرياض بصفر سبعة. وقتها لم يصل الهاتف لقريتي في الجنوب. أجبته، مازحا، أدخلوا الهاتف لقريتي أولاً ثم قولوا عني صفر سبعة. كأننا نعير أهلنا بتأخر وصول التنمية بدلاً من محاسبة من تسبب في تأخر التنمية. للعنصرية أكثر من وجه. فصانع القرار حامل الدرجات العليا من جامعات غربية يمارسها بوعي أو من دونه وهو يقسم مشروعات التنمية بين «المراكز» و»الأطراف». كأنه ما زال يعيش في زمن «وملحقاتها». لم يعد في الوطن اليوم «ملحقات» يا عزيزي المسؤول. «الملحق» هو تلك الغرفة القصية، في طرف قصرك، حيث تلعب الورق أو تدخن الأرقيلة مع صحبتك! أما وقد وحّدنا الجوال ب(صفر خمسة) فقد سقطت عني «عيرة» ال(صفر سبعة). شكراً للتقنية!