حين بدأت شمس شريط الكاسيت بالأفول، وحلت محله أسطوانة (السي دي) المدمجة جاء لي رجل أعمال وبلغني أنه سيشتري مصنعاً رخيصاً لصناعة شريط الكاسيت، فأخرجت من درج مكتبي أسطوانة (السي دي والدي فدي) وقلت للرجل الناس تجاوزت الكاسيت إلى هذا، ولم يبق من يستعمله إلا هواة التحف، لكن الرجل اشترى المصنع، وتكدس المنتج من الكاسيت فلا مشتر. هذه القصة تحكي لك كثيراً مما جاء به العصر الرقمي، فالصناعة وحتى الزراعة والتجارة تغيرت لعصر جديد، ومن لا يواكب العصر سيبقى في المؤخرة. قس السابق دول المادة الخام، والزراعة لم تثر، وتتحكم برأس المال، لكن دول التصنيع، كسبت السبق؛ حيث يعمل الناس، وينتجون ومن إنتاجهم يصنعون الرفاه، وهذا جانب مشرق في رؤية المملكة (2030) بافتراض أن التصنيع سيستوعب البطالة المتزايدة، وسيدعم ناتجنا الوطني، وسيخلق نوعاً من الرضا بسلوك العمل؛ عكس التوظيف الإداري الذي يخلق بطالة مقنعة غير منتجة، ويشجع على عدم التقيد بدوام طويل، ويبقى المهم نوع التصنيع ومعاصرته. ولكن محاذير التصنيع هي أن تصنع ما يصنعون الآن، فالسيارات مثلاً تنتظر نقلة نوعية بالتوجيه الذاتي، فإن صنعت السيارة القديمة موديل (2017) فلن يشتريها أحد مع وجود سيارة إلكترونية التوجيه، مشكلة الصناعات الحديثة قصر العمر، لأنها مرتبطة بالذكاء الصناعي. تبقى بعض الصناعات مهمة مثل الصناعات العسكرية في الشرق الأوسط، وهي من الأعمال المجدية، كما أن تجارة المنطقة تحفز كثيراً من الصناعات الاستهلاكية، المعتمدة على منتجات بترولية، أو بلاستيكية يمكننا إغراق المنطقة بها بدلاً من أن تفعل الصين ذلك، فالمادة الخام عندنا، وبإمكاننا تحفيز شبابنا لابتكار أشياء من الممكن تصنيعها، ومنافسة العالم. أما الكماليات وما يستهلك، فلن يمعن في التفكير، ما عليك إلا أن تدخل محلاً من المحلات التي تبيع المنتجات الصينية لترى كم أمامك من صناعات لا تكلف شيئاً لكنه كنز منسي، يحضره التجار من مخلفات الأسواق، ويبيعونه بالذهب، وكلها دروس ملقاة لنا على الطريق، والفارق أن لا نقلد بل نبدأ من حيث انتهوا.