بعد أن تركنا تبوك، اتجهنا إلى حائل للوقوف على أوضاع الصناعة فيها، لا سيما الصناعات الغذائية التي تعتمد على المنتجات الزراعية التي تشتهر بإنتاجها حائل، ويمكن أن تنشأ عليها صناعات عديدة ذات جدوى اقتصادية عالية من حيث العائد المادي، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي فيها مثل البطاطس الحائلية. أدهشنا ما رأيناه وسمعناه خلال جولتنا، فالوفرة في محصول البطاطس في حائل، لم تقابلها صناعة تستطيع التعامل مع فائض الإنتاج وتحويله إلى منتجات أخرى ذات قيمة مضافة. كذلك لم نشاهد صناعة متخصصة في استثمار الخضراوات التي تنتجها حائل. وهذا ما يفسر لماذا دخل المزارع في المناطق الزراعية لدينا محدود، رغم أنه يمكن مضاعفته مرات عديدة، إذا أنشئت في المناطق الزراعية جمعيات تعاونية يمكنها استثمار المزايا النسبية القائمة على الزراعة في تلك المناطق لصالح المزارعين أنفسهم، في صناعات التعليب أو التجميد، أو التخليل القائمة على تلك الخضراوات. الصناعة التي نبحث عنها هي التي تحقق مردودا ماديا مجزيا للمزارع من خلال تحقيقه الاستفادة المثلى من منتجاته الزراعية، وكذلك ثبات في أسعار الخضراوات للمستهلكين. أثناء تجوالنا في عدد من المزارع لم نجد أحدا نستطيع سؤاله عن الإنتاج وكيف يتعاملون مع فائضه.. حاولنا سؤال بعض العمالة، إلا أنهم لم يستجيبوا خصوصا بعد أن رأوا كاميرا زميلي المصور. اتجهنا إلى مزرعة أخرى طلبت من زميلي المصور أن يبقى في السيارة لسؤال أحد العمال، الذي قال «لا علاقة لنا بالبيع، نحن مزارعون ليس إلا.. نزرع ونحصد، ثم تأتي السيارات لتحمل المنتج إلى الأسواق، لا نعلم أين يباع.. هل يباع في حائل أو في غيرها من المناطق». مصنع بطاطس وحيد ذهبت محاولتنا للبحث عمن يجيبنا عن غياب تصنيع البطاطس في منطقة المزارع سدى، لم نجد من نستطيع التحاور معه، أخبرني زميلي أن المصنع الوحيد لتصنيع البطاطس يقع في المدينة الصناعية، قلت له لنذهب إلى هناك وفعلنا.. عند وصولنا سألنا عن مسؤول نتحدث معه.. أشار الحارس (وهو من جنسية آسيوية) علينا بالانتظار ليسأل الإدارة هل تسمح لنا بالدخول أم لا.. وبعد مفاوضات قال لنا «لا أحد هنا». من دبي إلى حائل أخبرني زميلي المصور أن المصنع له قصة وأنه لمستثمر أجنبي كان يعمل في دبي ثم نقل نشاطه إلى حائل أخيرا وهي الخطوة التي اعتبرها الكثيرون مؤشرا على جاذبية الاستثمار في حائل والمملكة عموما. وبحسب زميلي المصور، فإن صاحب المصنع عندما كان في دبي كان يستورد المادة الخام «البطاطس» من حائل ويتحمل تكاليف النقل ومن ثم يصنعها، وبحكم أن السوق السعودية هي أكبر مستورد لهذا المنتج فإنه يضطر للشحن والبيع مرة أخرى في المملكة. وبحسب المعلومات فإن نقل المصنع من دبي إلى حائل خفض التكاليف على المستثمر بنسبة 20 في المائة. الاستزراع في الخارج بعد أن يئسنا لعدم وجود من يفسر لنا الغياب الكبير لفكر التصنيع الزراعي في المنطقة، سألنا عن المستثمر الزراعي علي الجميعة ليفسر لنا سر غياب المصنعين عن المنطقة وعدم وجود هيئة زراعية تتولى تصنيع المنتجات وتسويقها، فكانت الإجابة المحزنة: أن المستثمرين السعوديين مشغولون بالزراعة في الخارج، الأمر الذي جذب مستثمرين أجانب ليحلوا محلهم ويدخلوا إلى السوق السعودية وخصوصا في مجال تصنيع البطاطس. فالأولى برأيه أن يكون هذا التوجه لمستثمرين سعوديين وليس العكس، أقول أصاب الأجانب ولا أخفي عليكم أن من يتولى الزراعة في المملكة وبالذات في منطقة حائل عمال أجانب وجدوا الرزق فيها، فهم مستثمرون منتجون ناقلون مسوقون، ونحن كسعوديين مستهلكون فقط، إنها ظاهرة تستحق التأمل. مشكلة ما بعد الإنتاج وعند سؤالنا عن معوقات إنشاء الصناعات الغذائية في حائل، قال إنها كثيرة، أولها يتمثل في غياب خدمات ما بعد الإنتاج كالتخزين والتصنيع والتفريغ النهائي والنقل والتسويق، إن المزارع في منطقة حائل، كما أن المستهلك في حاجة ماسة إلى توفر المنتج بسعر مناسب للطرفين، فإذا وجدت الخدمات فإن ذلك سيساهم استقرار المنتج وبالتالي تستقر فاتورة المستهلك النهائي في المملكة بل وتنخفض. المزروع 50% من المساحة الصالحة ويضيف الجميعة أن مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في المنطقة لا تتجاوز 50 في المائة من المساحة الصالحة للزراعة وينتج عنها هذا الفائض في الإنتاج فكيف سيكون الحال إذا تمت زراعة المساحة كاملة كم سيكون حجم الفائض في غياب التصنيع. هذا مجرد سؤال يطرحه الجميعة. صناديق الإقراض ويستطرد الجميعة أن دور صندوق التنمية الزراعية في دعم الزراعة في المملكة كبير، فلا أحد ينكر هذا الدور، إذ بلغت إعانات الصندوق (البنك الزراعي سابقا) على مستوى المملكة 37 مليار ريال، لكننا نأمل أن ترتفع ميزانية الصندوق ويتوسع في الإقراض، فالصناديق الحكومية هي الوحيدة التي دعمت التنمية وسوف تستمر إن شاء الله إذا أعطيت الإمكانات اللازمة. الصناعة التحويلية غائبة ويضيف الجميعة أن الصناعة في منطقة حائل، كما هي في المناطق الأخرى، إما أن تكون صناعة تحويلية تعتمد على منتج وطني كالزراعة وتحويلها إلى منتجات غير مستقرة، وأنا أعلنها من خلالكم أن يدي ممدودة للتعاون مع الجميع لهدف واحد وهو إنشاء صناعة زراعية في حائل يستفيد منها المواطن السعودي وتكون رافدا للاقتصاد وتوفر آلاف الفرص الوظيفية للشباب، وهذا من أوجه البر أن تكون منافعك واستثماراتك الصناعية في وطنك المملكة، والإثم هو أن تهاجر بفكرك وجهدك وانتمائك ومالك إلى مكان آخر غير وطنك. غياب الاهتمام بعد أن اطلعنا على وجهات نظر مؤسس ملتقى الخطوة الزراعي، بحثنا عن آراء مختصين وأصحاب خبرة آخرين لإثراء النقاش حول الموضوع، اتصلنا بالمهندس الزراعي محمد بخاري الذي قال إن المشكلات التي تواجه حائل تتمثل في ضعف الاهتمام بها خصوصا في مجال الإنتاج الغزير للبطاطس الذي تتميز به حائل، الذي يمكن الاستفادة منه في تصنيع العديد من المنتجات الغذائية المبتكرة والمستحدثة التي يمكن أن تكون لها سوق كبيرة ليس في المملكة فحسب وإنما يمكن فتح أسواق جديدة لها في العالم ككل. بديل للأرز ويضيف البخاري أن أول المنتجات التي يمكن بتصنيعها تحقيق الأمن الغذائي الذي تنادي به وزارة الزراعة كثيرا، النشا الذي يمكن من خلاله تصنيع النسيج، أصابع البطاطس، عجينة البطاطس، شرائح البطاطس والعديد من المنتجات الغذائية الأخرى التي يمكن تصنيعها من البطاطس. كذلك يمكن تحويل ثقافة وعادات الغذاء والأكل في معظم الوجبات في المملكة من الأرز الذي نعتمد على استيراده بالكامل من الخارج مع ما يصاحب ذلك من مخاطر نتيجة اتجاه أسعاره إلى الارتفاع في الأسواق العالمية، إلى البطاطس مثل العديد من الشعوب التي تعتمد على البطاطس غذاء رئيسا لها والبطاطس منتج وطني متوفر وأسعاره في المتناول، وهذا يمكن أن يوفر لنا مليارات الريالات التي تذهب لاستيراد الأرز من الخارج، فضلا عن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من محصول زراعي وطني. 40 طنا إنتاج الهكتار ويستطرد المهندس بخاري أن إنتاج هكتار البطاطس في حائل يتجاوز 40 طنا، وهو يعتبر إنتاجا جيدا يشجع على إنشاء العديد من الصناعات، لكن المشكلة تكمن في غياب الفكر الصناعي بالدرجة الأولى، والمستثمر الجريء وكذلك غياب الجهات الداعمة. مشكلة التسويق ويضيف أن التسويق الجيد هو المطلوب لإيجاد صناعة غذائية متقدمة في حائل، وهذا لن يتأتي إلا بتشكيل هيئة زراعية صناعية من أهل المنطقة، تنبذ الخلافات وتهتم بالمصلحة العامة للمنطقة ولا تنتظر المساعدة من وزارة الزراعة لأن الوزارة لديها الكثير من المشاغل. هناك العديد من أبناء المنطقة يملكون الأموال والفكر والثقافة، على أن تتولى الهيئة المقترحة ابتعاث المتميزين من أبناء المنطقة، ومن يلمس لديهم الحرص على تطوير المنطقة لأخذ دورات تدريبية في التسويق والتصنيع الزراعي ويتولوا تصنيع وتسويق إنتاج المنطقة من الخضراوات والفاكهة. صناعة المخللات ويعرب بخاري عن استغرابه من عدم استثمار خضراوات حائل عبر صناعات منزلية، خصوصا الخضراوات المهدرة التي يجري في بعض الأحيان استخدامها كسماد أخضر ومن خلال بقائها في الحقول حتى تتعفن وتتحول إلى سماد عضوي. ويتساءل: لماذا لا يتم تحول المجتمع إلى أسر منتجة، فهناك العديد من الصناعات التي يمكن أن تنشأ في المنازل مثل صناعة المخللات وهي صناعات تكاليفها بسيطة، يمكن تصنيعها وتسويقها في الداخل والقضاء على الاستيراد، فنحن نستورد كميات كبيرة من المخللات من مصر وسوريا ولبنان واليونان وغيرها من الدول. تجفيف الفاكهة ويقترح المهندس البخاري إنشاء صناعة تجفيف الفاكهة في حائل، فهناك العديد من الفواكه التي يمكن أن تنشأ عليها صناعة التجفيف مثل العنب الحائلي المتميز ولا يجد من يسوقه. كذلك يمكن الاستفادة من زراعة الفاكهة الصيفية في المنطقة مثل المشمش والبخارى وتجفيفها وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الفاكهة المجففة التي تعتمد السوق السعودية على استيرادها من سوريا وتركيا وإيران وعدد من الدول الأخرى. صناعة الزيتون ويضيف البخاري أننا دولة تستورد كميات كبيرة من الزيتون وزيت الزيتون، أمامنا تجربة الجوف. وكما هو معلوم فإن هناك أكثر من 13 مليون شجرة زيتون في المملكة، نصيب منطقة حائل منها أكثر من أربعة ملايين شجرة يمكن نشوء صناعة متقدمة لعصر الزيتون واستخراج الزيت منه، والاستفادة من مخلفات هذا العصر كأعلاف لتسمين الماشية، هذا واحد من المجالات وهناك العديد. تعليب الطماطم بحثنا عن الكيفية التي يمكننا الاستفادة منها في إنتاج المنطقة من الطماطم، ومعلوم أن موسم زراعة الطماطم قصير تنخفص فيه الأسعار بشكل كبير، جاءتنا الإجابة أن صناعة تعليب الطماطم في أوروبا وغيرها تعتمد على مصانع صغيرة في المنازل، عبارة عن براميل وماكينة للتعليب، ما يجعل بمقدور معظم المزارعين في حائل إنشاء مصانع ملحقة بمزارعهم يستطيعون من خلالها تصنيع جزء من الإنتاج وتسويقه وبيعه بأسعار مجزية تفوق أسعارها وهي طازجة في حال الموسم، كذلك التنويع في الإنتاج ما بين الكاتشب والصلصات. ولعل اللافت في الأمر أن معظم المعروض في سوق المملكة من الكاتشب والصلصات يأتي من دول خليجية مجاورة، رغم أن هذه الدول تعتمد في إنتاجها على الطماطم السعودية.
هولندي يستثمر الصناعات الغذائية في حائل قرر رجل أعمال هولندي الاستثمار في إنشاء العديد من الصناعات الغذائية في حائل. وقال ل«عكاظ» جيس دي ويت، الذي يرأس شركة هولندية زراعية، تعمل في التصنيع الغذائي من أنشطتها تصنيع رقائق وأصابع وعجينة البطاطس وبعض المنتجات الأخرى، إن سبب قراره بالاستثمار في حائل يعود إلى أنه سمع عن وفرة إنتاج البطاطس في حائل وبأسعار منافسة، أثناء زيارته لأحد المصانع في دولة خليجية مجاورة، وأنهم يحصلون على المواد الخام من المملكة. وأضاف أن هذا كان الدافع لإنشاء مصانع له في حائل، إلى جانب التسهيلات المقدمة للمستثمرين الأجانب ما سهل عليه إنشاء المصنع هنا والتصدير مباشرة إلى أوروبا. واستطرد «قررت الحضور إلى حائل والوقوف بنفسي على المنطقة، بالتعاون مع إحدى المؤسسات التي تعمل في هذا المجال، خصوصا أن هناك مزايا نسبية للصناعات الغذائية، بسبب كثافة الإنتاج الزراعي، من ناحية ووجود منطقة حائل على تقاطع طرق استراتيجية للمملكة والدول المجاورة». وحول مبدأ التعاون مع بعض التجار في المنطقة، ذكر أنه قطع خطوات طيبة لإيجاد صناعات أثبتت الدراسات جدواها لتقلبل الفجوة بين المنتج والمستورد.