قديما وحديثا ما يمنع الناس من ارتكاب أصغر المخالفات هو تربيتهم التي في الغالب تكون دينية، وأخلاقية، ويسمونها الوازع الديني، أو الأخلاقي، وهو الانضباط الذاتي؛ الذي يمارسه الإنسان في المكان العام، وهو أكثر ما يكون في المجتمعات الصغيرة كالقبيلة والقرية؛ والمجتمعات المتقدمة التي تطبق القانون على الجميع بصرامة، في القرى والقبائل القانون غير مكتوب والعقاب اجتماعي، ويسود عرف فوق القانون يضبط سلوكيات الناس، وهو ما لا يتوفر بالمدن حيث يكون القانون المكتوب بعقاب صارم تطبقه الحكومة وليس الناس كما في القرية والقبيلة، هذا القانون المدني يضبط سلوكيات الناس وهو الأكثر أهمية، لأن الفرد الذي لديه ميل للمخالفة في المدن لا يكون تحت عين مراجعه القروية أو القبلية من أهل أو عشيرة، وهي المراجع التي يخاف ويخجل منها، ويخاف عقابها الاجتماعي. اليوم تساوت القرية والمدينة، فعين الكاميرا تضبط سلوكيات من لا يضبطه وازع ديني أو أخلاقي، وهي كاميرا في كل الأيدي، وكل السيارات، وعلى كل الجدران المحيطة، ترى النشال والمتحرش، ومخالف السير، وكل من يفقد أخلاقه، ووازعه الديني للحظات. مادامت معظم المشكلات تكون في مدن كبيرة فسؤال أين القانون؟ هو الأكثر ترددا، وأحيانا يكون القانون الصارم موجودا، لكن تختفي عين القانون، أو لا يطبق للمحسوبية والوساطة وهذه من الكوارث، لكن ماذا إذا رأى الناس فضيحة المخالف في كل برامج التواصل الاجتماعي، وهو ما تتحاشاه وسائل الإعلام الكبرى خوفا من فضح الناس، وقانونا القذف والخصوصية؟ إن مخالفة النظم تأتي بسبب العدوى فمادام أناس كثيرون يقطعون الإشارة، أو يعكسون السير فلست أنت أقل منهم، إنه نوع من الفروسية في جينات الجاهل، فهو بأفعاله ومخالفاته فارس القبيلة الذي لا يبارى، في ذهنيته المريضة الخيل، والسيف، والرمح، وعبارة من أنتم لأحترمكم، فأنا متقدم على الجميع. هل يختفي فارس القبيلة ومخالفاته من الشارع ويذهب بها بعيدا للصحراء التي تناسب فروسيته، وليست تحت عين الكاميرا.