«الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    الهلال يهدي النصر نقطة    لحظات ماتعة    ما سطر في صفحات الكتمان    السدرة وسويقة.. أسواق تنبض في قلب الرياض    «التلعيب» الاستراتيجية المتوارية عن المؤسسات التعليمية    ثمرة الفرق بين النفس والروح    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    بندقية للإيجار !    جودة خدمات ورفاهية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    مدرب الأخضر يستبعد عبدالإله العمري ويستدعي عون السلولي    الأزرق في حضن نيمار    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    حقبة جديدة    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    الحياة قوانين وليست لعبة!    «زهرة» تزرع الأمل وتهزم اليأس    مقال ابن (66) !    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    «دار وإعمار» تكشف مشاريع نوعية بقيمة 5 مليارات ريال    رحيل نيمار أزمة في الهلال    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    ليل عروس الشمال    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاكسات وتحرش وابتزاز وخلوة واختلاء..والنهاية «فضيحة»
تربية «الكبت» كسرت «حصانة العيب» وانساقت بدون وعي إلى المغريات!
نشر في الرياض يوم 01 - 01 - 2012

انتشرت الجرائم الأخلاقية عبر عدة وسائل مختلفة،؛ ما يؤكد وجود خلل قيمي وأخلاقي كبيرين لدى بعض فئات المجتمع، ففي الوقت الذي يؤكد البعض عدم اعتبارها ظاهرة؛ بسبب عدم وجود الإحصائيات الدقيقة، إلاّ أنه يبدو بما لا يقبل مجالاً للشك أن هناك شيوعاً كبيراً للانحراف الأخلاقي، ولم يعد يطال فئة الشباب فقط، بل تعدد إلى مستويات عمرية متفاوتة وبين الجنسين من الرجال والنساء، فلم يعد الانحراف حصراً على البيئات الفقيرة المعدمة التي يسودها الجهل والتخلف العلمي، بل إنه أصبح متشعباً وممتداً يدخل في مختلف شرائح المجتمع، بدءاً من الطالب الفقير إلى الشاب الغني، وصولاً إلى الرجل المسؤول، بل إنه متشتت وسائح في مجمل الظروف الاجتماعية والنفسية والأمنية والدينية، والتي تنبثق من ضعف الجوهر الروحي لدى الإنسان.
ومع ضعف الأمن الأخلاقي وتكاثر أنواع المساس بأعراض الناس، أصبحت هناك الخلوة المحرمة والمعاكسات وغيرهما من الممارسات السلبية، وهنا تبرز عدة أسئلة: ما الذي حدث لتتفاقم الجرائم الأخلاقية في المجتمع بهذا الشكل الكبير؟ وهل يمكننا أن نجزم أن العصر الحديث بتقنياته وانفتاح قنواته وخلط المفاهيم الاجتماعية بداخله هي من حولت الجريمة الأخلاقية إلى خبر دائم ومتكرر يقرأ عبر وسائل الإعلام المختلفة؟ أم أن هناك حقيقة غائبة في أسباب الانحراف الأخلاقي تختبئ خلف الخليط المتشابك بين المنزل والشارع والمؤسسة التعليمية والدينية؟ أم أنه الجنون الذي طال بعض الأفراد ممن عاش البطالة في الحياة ليس فقط في محتواها الضمني الشكلي المعروف بل إنها البطالة الداخلية والروحية التي عمرت القلب بفراغ القيم الأخلاقية التي ينادي بها الإسلام..
يبدو بما لا يقبل مجالاً للشك أن الأسئلة في ذلك كثيرة وكبيرة بحجم الجرائم الأخلاقية التي أصبحت موجودة بهذا الشكل المخيف.
«الرياض» تناقش انتشار الجرائم الأخلاقية وربط ذلك بالأسباب التي تدفع إليها، من منظورها الاجتماعي والأمني التنظيمي والنفسي.
د.الخنيزي: عقوبة المتحرش في الإمارات التشهير بصورته ومنعه من دخول «المولات» وإذا تكرر يفصل من عمله أو دراسته
ممارسات خاطئة
في البداية قال "د.خالد بن عمر الدريعان" -أستاذ علم اجتماع المشارك بجامعة الملك سعود-: إن الاجتماعيين يعرِّفون الجرائم الأخلاقية بالممارسات الخاطئة، والتي تتفق على تجريمها معظم المجتمعات الإنسانية، وذلك بصرف النظر عن دينها؛ لأن بعض ما يجرمه الإسلام ك"شرب الخمور" -على سبيل المثال- قد لا تجرمه الأديان الأخرى، مضيفاً أن الجرائم الأخلاقية تكاد تتفق معظم المجتمعات على أنها جرائم يعاقب عليها القانون؛ ومن ذلك "الدعارة"، و"الاغتصاب"، و"الزنا"، وهناك بالطبع جرائم أخرى يراها المسلم جرائم أخلاقية، وربما من الكبائر، ولكنها لا تدخل ضمن هذا التصنيف في أغلب المجتمعات، ك"الخلوة غير الشرعية"، و"الشذوذ الجنسي"، و"العلاقات الجنسية" التي تسبق الزواج، أو يمارسها غير المتزوجين، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال فإن لفظ "الزنا" -adultery- في المجتمعات المسيحية يعني فقط ممارسة المتزوج أو المتزوجة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، أما غير المتزوجين فإن تلك العلاقة لا تحمل مدلول "زنا"!، موضحاً أنه فيما يتعلق بأسباب انتشارها فإن الجرائم الأخلاقية تنتشر في جميع المجتمعات، بل إن علماء الاجتماع ينظرون لهذه المسألة ك"ظاهرة طبيعية" إذا كان معدلها طبيعياً؛ لأنه لا يوجد مجتمع تختفي فيه الجريمة بما في ذلك مجتمعات الوفرة الاقتصادية وكذلك المتدينة.
فقر وعوز
وأوضح "د.الدريعان" أنه فيما يتعلق بالأسباب فإنه لا يوجد سبب واحد يفسر الجريمة؛ إلاّ أن العامل الاقتصادي مهم جداً؛ مضيفاً أنه يقصد بذلك الفقر والعوز والبطالة، الأمر الذي قد يدفع ببعض الفئات الى السرقة والدعارة وترويج المخدرات وتعاطيها، ذاكراً أن تراخي القانون وعدم تطبيقه بكفاءة عالية قد يكونان سبباً آخر في انتشار الجريمة الأخلاقية، لافتاً إلى أن كل ما ذكرنا هي أسباب اجتماعية، أما الأسباب الفردية فهي أقل أهمية ومنها سوء التنشئة الاجتماعية ورفاق السوء والاضطرابات النفسية، وهناك أسباب تعد خليطاً من الاجتماعي والفردي، مؤكداً أن معظم علماء الاجتماع يتحاشون تفسير الجريمة؛ لوجود عدة أسباب تدفع الى اقترافها، مبيناً أن الآلية السليمة لتعاطي المجتمع مع الجريمة الأخلاقية فإنه يلزم البحث في أسباب انتشارها؛ ومن ذلك معالجة مشكلة الفقر والبطالة وتوجيه وسائل الإعلام لتكون منبراً للتوعية بخطر الجريمة، مشدداً على أنه يلزم كذلك العناية ببرامج التنشئة الاجتماعية، وجعل المدرسة مكاناً مناسباً للتربية التي تنمي لدى الناشئة كراهية الجريمة بكافة صورها، كما يلزم معالجة مشكلة التفكك الأسري وما ينتج عنه من مآس، وأقصد بذلك موت معيل الأسرة وعدم وجود مصدر مادي يقيهم ذل السؤال، مبيناً أن الطلاق والهجر ينجم عنهما مشكلات تنعكس على المطلقة وأبنائها إن لم يتم احتواؤهم من قبل الأقارب والعناية بهم، ناصحاً بأن يتم التعاطي السليم للفرد مع الجريمة الأخلاقية من خلال زرع الحب والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، مع تقوية الوازع الديني.
المحيا: إطلاق سراح المتهم بضمان وظيفته وإذا ثبت عليه شيء يوقف فوراً..والستر على الفتاة!
عدم الأمان
وأكد "د.الدريعان" أن كثرة الجرائم الأخلاقية في المجتمع تنعكس سلباً على الأفراد؛ لأنها ستتولد لديهم شعورا مستمرا بعدم الأمان عندما يشاهدون استفحال الجرائم في مجتمعاتهم، وقد يدفعهم هذا الشعور إلى "الاغتراب النفسي" الذي من مظاهره ارتفاع نسب الانتحار، مضيفاً: "يحضرني في هذا الخصوص مثال فنلندا، فهي بلد وفرة اقتصادية، ومع ذلك فهي من أعلى البلدان في معدلات الانتحار الذي يفسره علماء الاجتماع بشيوع الاغتراب النفسي، وكذلك صراع المعايير والعزلة الفردية وهيمنة الدافع الاقتصادي في عملية الانجاز الفردي، الأمر الذي يرفع من معدلات الانتحار عند الفشل، ناهيك عن ضعف الروح المعنوية عند الفرد بسبب عدم الإيمان بالله وبالقضاء والقدر"، موضحاً أن الدين يجيب عن أسئلة جوهرية ووجودية في الحياة وبعد الموت، وهي أسئلة أزلية لا يجيب عنها العلم مهما تقدم، وبالتالي فإن تقوية النزعة الإيمانية عند الفرد تقلل من مخاوفه وتدفعه إلى السلوك السليم، بل وتجعله يبتعد عن الجريمة وكل ما ينافي الأخلاق السليمة.
عمل فردي
وذكر "د.الدريعان" أنه كلما استقام سلوك الفرد وكان إيجابياً مع نفسه والمحيطين به، فإنه يبتعد عن الجريمة، مضيفاً أن الجريمة تظل عملاً فردياً يحركه ويشجع عليه عوامل اجتماعية ونفسية متعددة، تجعل منه ممارسة مألوفة رغم رفضنا له، مشيراً إلى أن الجميع ينتقد الجريمة وينفر منها سواء كثرت أو قلت معدلاتها؛ لأنها تهدد سلامة المجتمع والأفراد، أما القول بأن المجتمعات ألفت الجريمة واعتادت عليها بسبب انتشارها وتعدد أنماطها؛ فإن هذه الفرضية قد لا تكون صحيحة، بدليل زيادة أعداد رجال الشرطة ودخول تقنيات جديدة في البحث الجنائي والتحري، مع زيادة التدريب الذي يخضع له رجال الأمن للتصدي للجريمة ومكافحتها، موضحاً أن الذي ألفه الناس لسوء الحظ هو سماع أخبار الجريمة كل يوم، بسبب تعدد وسائل الإعلام وتركيزها على أخبارها؛ لأنها أخبار شاذة وتشد المتلقي سواء أكان قارئاً أم مشاهداً أم مستمعاً، مؤكداً أن المتلقي أصبح يعلم عن الجريمة التي تقع في أصقاع بعيدة تماماً، كما يعلم عن الجريمة التي تقع في مدينته؛ بسبب وسائل الاتصال و"العولمة"، مبيناً أن ما هو مقلق بحق هو تنوع الجرائم ووسائلها وأساليبها؛ بسبب دخول عنصر التقنية فيها، وسهولة تعلم بعض الوسائل الإجرامية من خلال "الانترنت" والأفلام وبرامج التلفزيون.
كبت كبير
«القادم مذهل» مع جيلٍ يعيش عالما افتراضيا مليئا بالمتناقضات و«الفراغ لعاطفي»
ورأى المحامي "تركي المحيا" أن الخلل الأكبر يقع على القيم التي نؤمن بها، وفي المنزل الذي لابد أن يعمل على التوجيه والتربية، مضيفاً أن الكبت الكبير على الشباب هو ما يؤدي إلى الانحراف، موضحاً أن القوانين المتعلقة بالعقوبات في القضايا الأخلاقية ليست كافية في المحاكم، فغالباً ما يتم أخذ التعهد على الشاب ثم إطلاق سراحه، أو الحكم عليه بالجلد ب(60) جلدة، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالابتزاز الذي يرتبط أيضا بالقضايا الأخلاقية، فمدة السجن تتراوح من ستة أشهر إلى عام، وعن تعاطي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القضايا الأخلاقية قال: أسلوب التعاطي يزيد من وتيرة القضايا الأخلاقية بخلاف هيئة التحقيق والادعاء والتي يرتكز عملها على التحقيق في القضايا، فليس من واجباتهم أن يوقعوا العقوبات، فهي جهة تحقيق، وذلك ما يستوجب إحالة القضايا إلى المحاكم التي تحدد عقوباتها كيفما رأى القاضي، لافتاً إلى أنه ليس هناك قانون واضح فيما يتعلق بتلك القضايا، فكل قاض لديه تقدير ما يراه، موضحاً أن القاضي قد يمر عليه ذات القضية التي مرت عليه سابقاً بذات وقائعها وحيثياتها ثم يحكم حكماً يختلف عن حكمه في القضية المشابهة السابقة، ذاكراً أن قوانين الحكم في القضايا الأخلاقية أعطيت للسلطة التقديرية للمحكمة وللقاضي، مشدداً على أهمية أن تتخذ السلطة التشريعية في المملكة إجراء لوضع القوانين المحددة بذلك الخصوص.
أرضية خصبة
وأكد "د.سعيد وهاس" -استشاري علم النفس السريري والعصبي بمركز العلوم العصبية بمدينة الملك فهد الطبية - أن من أهم الأسباب لمثل هذه الظواهر وجود برمجة فكرية خاطئة عن الحياة وأهدافها، إضافةً إلى أن مجمل هذه السلوكيات قد يُكتسب اكتساباً من الأقران والأصحاب في وجود نمط من الصراعات بين الإنسان وبين الفرد ونفسه، مضيفاً أن مجموعة هذه العوامل لعلها تقف أو تفسر وجود هذه الظواهر؛ لوجود أرضية خصبة تتمثل فيما تبثه وسائل الإعلام و"الإنترنت"، وكذلك الوسائل العصرية المتاحة مثل "الآيفون" و"البلاك بيري"، فالجميع ساهم في وجود هذه الظواهر، موضحاً أن لتربية الوالدين والأسرة وكذلك المجتمع دوراً لا يستهان به في ظهور مثل هذه الانحرافات، وهنا قد يكون العامل فردياً يتعلق بذات الشخص، وقد يكون أسرياً، وقد يكون اجتماعياً، وقد تتعدد المسببات في أكثر من مجال، مشيراً إلى أنه في حال وجود مثل هذه الانحرافات فإن التعامل الأمثل يتمثل في طلب المشورة المهنية من المختصين في المجال النفسي والاجتماعي؛ بهدف صياغة التركيبة الأساسية التي تقف وراء المسببات الناجعة، والتي تتعامل بشكل مباشر مع سبب المشكلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الوقائية للمجتمع بشكل عام، وتوعية الوالدين والأسرة في كيفية التعامل النفسي.
تفاعل بطيء
وأوضح "د.محمد الخنيزي" -عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب وأخصائي تربوي- أنه على الرغم من الدور الذي تؤديه بعض مؤسسات المجتمع المدني في الحد من القضايا الأخلاقية في المجتمع من الآليات والطرق، إلاّ أن ذلك الدور لايزال غير فعّال، مضيفاً أن تفاعل المجتمع مع تلك الآليات بطيء جداًّ، فالجمعيات الخيرية تساهم والمساجد تساهم، والكثير من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساهم، والكثير من الجهات تعمل بدور التوعية والتثقيف، إلاّ أن التيار الموجود في المجتمع أقوى من قدرتهم على الإقناع، مؤكداً أن هناك غياباً واضحاً في طرق وأساليب مؤسسات المجتمع المدني في تطوير آلياتها وأساليبها في الحد من الانحرافات الأخلاقية المتعلقة بالشباب، فنحن في عصر "الانترنت" و"اليوتيوب" والمعلومات الكبيرة التي أصبحت تؤثر في الشباب تأثيراً كبيراً جدا، بينما مؤسسات المجتمع المدني لم تتطور بشكل يصل إلى مرحلة إقناع الشباب في البعد عن الكثير من الانحرافات الأخلاقية ك"التحرش" والمشاكل الأخلاقية، مشيراً إلى أن غياب الأب القدوة أدى إلى تفاقم تلك الانحرافات، فالكثير من الآباء لم يكن المثال الجيد للابن، فالأب ينهى ابنه عن المعاكسات والتحرش، ثم يراه ابنه بعد لحظات يمارس فعل المعاكسات، متسائلاً: كيف يتحقق المثال الجيد الذي لابد أن يأتي من الأب وهو يمارس نفس الخطأ؟!
مثلث هرمي
وقال "د.الخنيزي": هناك آليات مهمة في طرق العلاج التي لابد أن تُتخذ للحد من القضايا الأخلاقية، والتي من أهمها وضع آلية للعقاب، فإذا لم توضع فإن القضايا الأخلاقية ستتفاقم أكثر، وذلك ما دعا مجلس الشورى إلى دراسة التحرش وبيوت الإيواء وغيرهما، إلاّ أن ذلك النظام حتى إن صدر فإنه لا يوجد آلية واضحة في تطبيق العقاب، مضيفاً أن الاعتماد هنا هو على خصوصية المجتمع في رفضه لبعض الانحرافات السلوكية دون تحديد لعقاب بعينه، مشيراً إلى أن العقاب الصارم مهم جداً، فدولة الإمارات حددت عقاب المتحرش بالتشهير بصورته ومنعه من دخول "المولات"، وإذا تكرر ذلك يصل الأمر إلى الفصل من عمله أو دراسته، مؤكداً أن هذا النوع من العقوبات لا يوجد لدينا كآلية محددة، مبيناً أن الجهة التي تؤدي آلية وضع العقاب هي وزارة العدل، إلاّ أنه لا يوجد هناك آلية محددة للعقاب تنشر في الكثير من الأماكن والمحلات، مشدداً على أهمية تطوير أساليب الوعي في المؤسسات التعليمية، منتقدا الأساليب البدائية في أساليب الإقناع في التعليم العام للطلاب، فليس هناك تطوير لهذا المفهوم في المناهج، ووسائل التقنية الحديثة أصبحت أقوى بكثير من المناهج التعليمية، وذلك ما يجعل دور الأسرة كبيراً في ذلك الوعي، مبيناً أن العقاب، والكتاب المدرسي، والآباء هي المثلث الهرمي في الحد من المشاكل الأخلاقية.
المعاكس لم يجد رادعاً يصل إلى حد التشهير ليكف أذاه عن «محارم الناس»
ليست ظاهرة
وعن تعاطي المجتمع مع القضايا الأخلاقية رأى "د.الخنيزي" أن الكثير من الناس يرون أن القضايا الأخلاقية ليست ظاهرة، وإنما هي في حقيقتها عبارة عن حالات فردية، فخروج شاب مع فتاة، أو خلوتهما في شقة لا تتطور إلى درجة الظاهرة، مضيفاً أنه حتى على مستوى مجالس الناس الخاصة، فإنه في حال سماعهم عن مثل هذه الانحرافات فإنهم يصفونها بالحالة الفردية القليلة، وذلك ما يستدعي الحديث عن غياب الإحصائيات الدقيقة في ذلك الجانب، ذاكراً أن المجتمع لا يتعاطى مع الانحرافات الأخلاقية بشكل عميق وواعٍ، فحينما تبدي فتاة مضايقتها من شاب تحرش بها في أحد "المولات"، أو يلاحظ بأن هناك شاباً يلحق بفتاة، فإن الناس هنا يكتفون بدور المتفرج، فليس هناك مبادرة للحد من تلك الظواهر ومنع الانحرافات السلوكية، حتى إن تعالت صرخات الفتاة، فإن الناس لا يتدخلون في ذلك الموقف، بل يصدر حكم بحق الفتاة بأنها من أثارت الشاب ودفعته للحاق بها، وذلك خطأ كبير في تعاطي المجتمع مع تلك الانحرافات، مشدداً على أهمية مشاركة المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية في تكثيف التوعية الجيدة، كما أنه لابد من إيجاد خط ساخن لأي فتاة تحرش بها شاب أن تجد استجابة سريعة، خاصةً وأننا نملك ثقافة دينية قوية جداً، تمكننا من أن نتحول من مجتمع يتقن دور المشاهدة فقط لتلك الانحرافات الأخلاقية، إلى مجتمع راق ومركز للعالم الإسلامي في الحد من تلك المشكلات، متسائلاً: كيف ننتج الكتب في احترام المرأة لدول العالم ونحن من نسيء إليها بتلك الانحرافات السلوكية التي تصدر من البعض؟
وسائل التحفيز
وأكد "د.مسعود الغامدي" -الداعية والإعلامي- أن القضايا الأخلاقية موجودة في كل مجتمع، وخروجها بهذا الشكل في الوقت الحالي يستدعي الكثير من اليقظة في التعاطي معها، مضيفاً أنه من سنن الله في الأرض أن تكون هذه الانحرافات السلوكية موجودة في المجتمعات، ولكن ازدياد حجمها وتفاقمها يعودان إلى عدة أسباب واضحة وظاهرة، والتي تفرض على الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني أن تبذل جهداً أكبر في التعاطي معها، ذاكراً أن أهم تلك الأسباب يكمن في أن وسائل التحفيز على تفشي هذه الظواهر الأخلاقية كثيرة في الوقت الحالي في العالم، ونحن جزء من هذا العالم، ومن أهم تلك المغريات "الإعلام المفتوح"، الذي أصبح مغرياً جدا، خاصةً لفئة الشباب، سواء أكان الإعلام المرئي أم الشبكات العالمية للانترنت وغيرها، وكذلك ما حصل في الفترة الأخيرة من الفراغ والبطالة، والتي تجعل الشاب عرضة للانحراف، مشيراً إلى أن دور المؤسسات التعليمية والمعنية بالتربية، كالشؤون الإسلامية والتربية والشؤون الاجتماعية والإعلام، والمؤسسات الأصغر كالمسجد، باهت في الدعوة إلى تقويم السلوك، وكذلك الدعوة إلى الخروج من هذه الدائرة والخلاص منها، مؤكداً أن الدور ليس فقط ملقى على المؤسسات الدعوية في تقويم الانحراف الأخلاقي في المجتمع.
تحصين ديني
وأوضح "د.الغامدي" أن هناك قصوراً في تعاطي المؤسسات الدعوية في تقويم الانحراف الأخلاقي، فنحن مازلنا بحاجة إلى تطوير أساليب التوعية فيما يتعلق بتقويم سلوك الشباب، موضحاً أن الصحوة مازالت متأخرة في مواجهة الانحراف والعمل بدورها، وعلى الرغم من تأديتها دوراً جيداً، إلاّ أنها لم تواكب ما يجري، رافضاً التعاطي مع المشكلات الأخلاقية بسياسة الانغلاق، أو ما يدعو إليه البعض بالانفتاح المسؤول، واصفاً ذلك بالدعوة الغريبة، متسائلاً: كيف من الممكن أن يترك الفضاء واسعاً أمام الشباب بأن يفعلوا ما يرغبون به وأن لا يرد لهم طلب؟ حيث إن ذلك مخالف لسنن الله في الكون، مضيفاً أن الدين الشرعي وضع روادع وحدوداً، ووضع العقوبات، لذلك جاءت التعزيرات والحدود، وذلك ما يمنع الإنسان من ارتكاب الخطيئة، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك تحصين ديني وتربوي وأخلاقي، ثم تكون هناك الروادع الطبيعية والشرعية، داعياً إلى عدم نزعها أو إضعافها.
شكليات فقط
وأكدت "د.حصة آل الشيخ" -الباحثة في قضايا التربية والمرأة- أن المؤسسات التعليمية للأسف غائبة عن أداء دورها الكبير في الحد من الانحرافات السلوكية، وكذلك في إيجاد سبل لتعميق الوعي بخطورتها، وذلك يبدو في التعاطي التعليمي مع الطفل من خلال المدرسة، مضيفةً أن المؤسسات التعليمية تركز على الشكليات، وتهمل الجانب التربوي والقيمي لدى الطفل، موضحةً أنه لا أنظمة في الجامعات صارمة للانحرافات والممارسات غير الأخلاقية، فغالباً ما تعتمد على رؤية الشخص القائم عليها، بأن يتحمس لها أو أن تأخذ بُعداً آخر، متأسفةً على أن ما يحدث يؤكد عدم وجود عقوبات، فلوحة الطالب تركز دائماً على الأمور الشكلية، وهي لائحة ثقافية، وليست لائحة إرشادية وتوجيهية سلوكية..
د. خالد الدريعان
ممارسات خاطئة
في البداية قال "د.خالد بن عمر الدريعان" -أستاذ علم اجتماع المشارك بجامعة الملك سعود-: إن الاجتماعيين يعرِّفون الجرائم الأخلاقية بالممارسات الخاطئة، والتي تتفق على تجريمها معظم المجتمعات الإنسانية، وذلك بصرف النظر عن دينها؛ لأن بعض ما يجرمه الإسلام ك"شرب الخمور" -على سبيل المثال- قد لا تجرمه الأديان الأخرى، مضيفاً أن الجرائم الأخلاقية تكاد تتفق معظم المجتمعات على أنها جرائم يعاقب عليها القانون؛ ومن ذلك "الدعارة"، و"الاغتصاب"، و"الزنا"، وهناك بالطبع جرائم أخرى يراها المسلم جرائم أخلاقية، وربما من الكبائر، ولكنها لا تدخل ضمن هذا التصنيف في أغلب المجتمعات، ك"الخلوة غير الشرعية"، و"الشذوذ الجنسي"، و"العلاقات الجنسية" التي تسبق الزواج، أو يمارسها غير المتزوجين، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال فإن لفظ "الزنا" -adultery- في المجتمعات المسيحية يعني فقط ممارسة المتزوج أو المتزوجة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، أما غير المتزوجين فإن تلك العلاقة لا تحمل مدلول "زنا"!، موضحاً أنه فيما يتعلق بأسباب انتشارها فإن الجرائم الأخلاقية تنتشر في جميع المجتمعات، بل إن علماء الاجتماع ينظرون لهذه المسألة ك"ظاهرة طبيعية" إذا كان معدلها طبيعياً؛ لأنه لا يوجد مجتمع تختفي فيه الجريمة بما في ذلك مجتمعات الوفرة الاقتصادية وكذلك المتدينة.
فقر وعوز
وأوضح "د.الدريعان" أنه فيما يتعلق بالأسباب فإنه لا يوجد سبب واحد يفسر الجريمة؛ إلاّ أن العامل الاقتصادي مهم جداً؛ مضيفاً أنه يقصد بذلك الفقر والعوز والبطالة، الأمر الذي قد يدفع ببعض الفئات الى السرقة والدعارة وترويج المخدرات وتعاطيها، ذاكراً أن تراخي القانون وعدم تطبيقه بكفاءة عالية قد يكونان سبباً آخر في انتشار الجريمة الأخلاقية، لافتاً إلى أن كل ما ذكرنا هي أسباب اجتماعية، أما الأسباب الفردية فهي أقل أهمية ومنها سوء التنشئة الاجتماعية ورفاق السوء والاضطرابات النفسية، وهناك أسباب تعد خليطاً من الاجتماعي والفردي، مؤكداً أن معظم علماء الاجتماع يتحاشون تفسير الجريمة؛ لوجود عدة أسباب تدفع الى اقترافها، مبيناً أن الآلية السليمة لتعاطي المجتمع مع الجريمة الأخلاقية فإنه يلزم البحث في أسباب انتشارها؛ ومن ذلك معالجة مشكلة الفقر والبطالة وتوجيه وسائل الإعلام لتكون منبراً للتوعية بخطر الجريمة، مشدداً على أنه يلزم كذلك العناية ببرامج التنشئة الاجتماعية، وجعل المدرسة مكاناً مناسباً للتربية التي تنمي لدى الناشئة كراهية الجريمة بكافة صورها، كما يلزم معالجة مشكلة التفكك الأسري وما ينتج عنه من مآس، وأقصد بذلك موت معيل الأسرة وعدم وجود مصدر مادي يقيهم ذل السؤال، مبيناً أن الطلاق والهجر ينجم عنهما مشكلات تنعكس على المطلقة وأبنائها إن لم يتم احتواؤهم من قبل الأقارب والعناية بهم، ناصحاً بأن يتم التعاطي السليم للفرد مع الجريمة الأخلاقية من خلال زرع الحب والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، مع تقوية الوازع الديني.
عدم الأمان
وأكد "د.الدريعان" أن كثرة الجرائم الأخلاقية في المجتمع تنعكس سلباً على الأفراد؛ لأنها ستتولد لديهم شعورا مستمرا بعدم الأمان عندما يشاهدون استفحال الجرائم في مجتمعاتهم، وقد يدفعهم هذا الشعور إلى "الاغتراب النفسي" الذي من مظاهره ارتفاع نسب الانتحار، مضيفاً: "يحضرني في هذا الخصوص مثال فنلندا، فهي بلد وفرة اقتصادية، ومع ذلك فهي من أعلى البلدان في معدلات الانتحار الذي يفسره علماء الاجتماع بشيوع الاغتراب النفسي، وكذلك صراع المعايير والعزلة الفردية وهيمنة الدافع الاقتصادي في عملية الانجاز الفردي، الأمر الذي يرفع من معدلات الانتحار عند الفشل، ناهيك عن ضعف الروح المعنوية عند الفرد بسبب عدم الإيمان بالله وبالقضاء والقدر"، موضحاً أن الدين يجيب عن أسئلة جوهرية ووجودية في الحياة وبعد الموت، وهي أسئلة أزلية لا يجيب عنها العلم مهما تقدم، وبالتالي فإن تقوية النزعة الإيمانية عند الفرد تقلل من مخاوفه وتدفعه إلى السلوك السليم، بل وتجعله يبتعد عن الجريمة وكل ما ينافي الأخلاق السليمة.
عمل فردي
وذكر "د.الدريعان" أنه كلما استقام سلوك الفرد وكان إيجابياً مع نفسه والمحيطين به، فإنه يبتعد عن الجريمة، مضيفاً أن الجريمة تظل عملاً فردياً يحركه ويشجع عليه عوامل اجتماعية ونفسية متعددة، تجعل منه ممارسة مألوفة رغم رفضنا له، مشيراً إلى أن الجميع ينتقد الجريمة وينفر منها سواء كثرت أو قلت معدلاتها؛ لأنها تهدد سلامة المجتمع والأفراد، أما القول بأن المجتمعات ألفت الجريمة واعتادت عليها بسبب انتشارها وتعدد أنماطها؛ فإن هذه الفرضية قد لا تكون صحيحة، بدليل زيادة أعداد رجال الشرطة ودخول تقنيات جديدة في البحث الجنائي والتحري، مع زيادة التدريب الذي يخضع له رجال الأمن للتصدي للجريمة ومكافحتها، موضحاً أن الذي ألفه الناس لسوء الحظ هو سماع أخبار الجريمة كل يوم، بسبب تعدد وسائل الإعلام وتركيزها على أخبارها؛ لأنها أخبار شاذة وتشد المتلقي سواء أكان قارئاً أم مشاهداً أم مستمعاً، مؤكداً أن المتلقي أصبح يعلم عن الجريمة التي تقع في أصقاع بعيدة تماماً، كما يعلم عن الجريمة التي تقع في مدينته؛ بسبب وسائل الاتصال و"العولمة"، مبيناً أن ما هو مقلق بحق هو تنوع الجرائم ووسائلها وأساليبها؛ بسبب دخول عنصر التقنية فيها، وسهولة تعلم بعض الوسائل الإجرامية من خلال "الانترنت" والأفلام وبرامج التلفزيون.
كبت كبير
ورأى المحامي "تركي المحيا" أن الخلل الأكبر يقع على القيم التي نؤمن بها، وفي المنزل الذي لابد أن يعمل على التوجيه والتربية، مضيفاً أن الكبت الكبير على الشباب هو ما يؤدي إلى الانحراف، موضحاً أن القوانين المتعلقة بالعقوبات في القضايا الأخلاقية ليست كافية في المحاكم، فغالباً ما يتم أخذ التعهد على الشاب ثم إطلاق سراحه، أو الحكم عليه بالجلد ب(60) جلدة، مشيراً إلى أنه فيما يتعلق بالابتزاز الذي يرتبط أيضا بالقضايا الأخلاقية، فمدة السجن تتراوح من ستة أشهر إلى عام، وعن تعاطي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القضايا الأخلاقية قال: أسلوب التعاطي يزيد من وتيرة القضايا الأخلاقية بخلاف هيئة التحقيق والادعاء والتي يرتكز عملها على التحقيق في القضايا، فليس من واجباتهم أن يوقعوا العقوبات، فهي جهة تحقيق، وذلك ما يستوجب إحالة القضايا إلى المحاكم التي تحدد عقوباتها كيفما رأى القاضي، لافتاً إلى أنه ليس هناك قانون واضح فيما يتعلق بتلك القضايا، فكل قاض لديه تقدير ما يراه، موضحاً أن القاضي قد يمر عليه ذات القضية التي مرت عليه سابقاً بذات وقائعها وحيثياتها ثم يحكم حكماً يختلف عن حكمه في القضية المشابهة السابقة، ذاكراً أن قوانين الحكم في القضايا الأخلاقية أعطيت للسلطة التقديرية للمحكمة وللقاضي، مشدداً على أهمية أن تتخذ السلطة التشريعية في المملكة إجراء لوضع القوانين المحددة بذلك الخصوص.
د. سعيد وهاس
أرضية خصبة
وأكد "د.سعيد وهاس" -استشاري علم النفس السريري والعصبي بمركز العلوم العصبية بمدينة الملك فهد الطبية - أن من أهم الأسباب لمثل هذه الظواهر وجود برمجة فكرية خاطئة عن الحياة وأهدافها، إضافةً إلى أن مجمل هذه السلوكيات قد يُكتسب اكتساباً من الأقران والأصحاب في وجود نمط من الصراعات بين الإنسان وبين الفرد ونفسه، مضيفاً أن مجموعة هذه العوامل لعلها تقف أو تفسر وجود هذه الظواهر؛ لوجود أرضية خصبة تتمثل فيما تبثه وسائل الإعلام و"الإنترنت"، وكذلك الوسائل العصرية المتاحة مثل "الآيفون" و"البلاك بيري"، فالجميع ساهم في وجود هذه الظواهر، موضحاً أن لتربية الوالدين والأسرة وكذلك المجتمع دوراً لا يستهان به في ظهور مثل هذه الانحرافات، وهنا قد يكون العامل فردياً يتعلق بذات الشخص، وقد يكون أسرياً، وقد يكون اجتماعياً، وقد تتعدد المسببات في أكثر من مجال، مشيراً إلى أنه في حال وجود مثل هذه الانحرافات فإن التعامل الأمثل يتمثل في طلب المشورة المهنية من المختصين في المجال النفسي والاجتماعي؛ بهدف صياغة التركيبة الأساسية التي تقف وراء المسببات الناجعة، والتي تتعامل بشكل مباشر مع سبب المشكلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الوقائية للمجتمع بشكل عام، وتوعية الوالدين والأسرة في كيفية التعامل النفسي.
الحماية الأمنية في «المولات» قلّل كثيراً من تجاوزات المعاكسين
تفاعل بطيء
وأوضح "د.محمد الخنيزي" -عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب وأخصائي تربوي- أنه على الرغم من الدور الذي تؤديه بعض مؤسسات المجتمع المدني في الحد من القضايا الأخلاقية في المجتمع من الآليات والطرق، إلاّ أن ذلك الدور لايزال غير فعّال، مضيفاً أن تفاعل المجتمع مع تلك الآليات بطيء جداًّ، فالجمعيات الخيرية تساهم والمساجد تساهم، والكثير من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساهم، والكثير من الجهات تعمل بدور التوعية والتثقيف، إلاّ أن التيار الموجود في المجتمع أقوى من قدرتهم على الإقناع، مؤكداً أن هناك غياباً واضحاً في طرق وأساليب مؤسسات المجتمع المدني في تطوير آلياتها وأساليبها في الحد من الانحرافات الأخلاقية المتعلقة بالشباب، فنحن في عصر "الانترنت" و"اليوتيوب" والمعلومات الكبيرة التي أصبحت تؤثر في الشباب تأثيراً كبيراً جدا، بينما مؤسسات المجتمع المدني لم تتطور بشكل يصل إلى مرحلة إقناع الشباب في البعد عن الكثير من الانحرافات الأخلاقية ك"التحرش" والمشاكل الأخلاقية، مشيراً إلى أن غياب الأب القدوة أدى إلى تفاقم تلك الانحرافات، فالكثير من الآباء لم يكن المثال الجيد للابن، فالأب ينهى ابنه عن المعاكسات والتحرش، ثم يراه ابنه بعد لحظات يمارس فعل المعاكسات، متسائلاً: كيف يتحقق المثال الجيد الذي لابد أن يأتي من الأب وهو يمارس نفس الخطأ؟!
مثلث هرمي
وقال "د.الخنيزي": هناك آليات مهمة في طرق العلاج التي لابد أن تُتخذ للحد من القضايا الأخلاقية، والتي من أهمها وضع آلية للعقاب، فإذا لم توضع فإن القضايا الأخلاقية ستتفاقم أكثر، وذلك ما دعا مجلس الشورى إلى دراسة التحرش وبيوت الإيواء وغيرهما، إلاّ أن ذلك النظام حتى إن صدر فإنه لا يوجد آلية واضحة في تطبيق العقاب، مضيفاً أن الاعتماد هنا هو على خصوصية المجتمع في رفضه لبعض الانحرافات السلوكية دون تحديد لعقاب بعينه، مشيراً إلى أن العقاب الصارم مهم جداً، فدولة الإمارات حددت عقاب المتحرش بالتشهير بصورته ومنعه من دخول "المولات"، وإذا تكرر ذلك يصل الأمر إلى الفصل من عمله أو دراسته، مؤكداً أن هذا النوع من العقوبات لا يوجد لدينا كآلية محددة، مبيناً أن الجهة التي تؤدي آلية وضع العقاب هي وزارة العدل، إلاّ أنه لا يوجد هناك آلية محددة للعقاب تنشر في الكثير من الأماكن والمحلات، مشدداً على أهمية تطوير أساليب الوعي في المؤسسات التعليمية، منتقدا الأساليب البدائية في أساليب الإقناع في التعليم العام للطلاب، فليس هناك تطوير لهذا المفهوم في المناهج، ووسائل التقنية الحديثة أصبحت أقوى بكثير من المناهج التعليمية، وذلك ما يجعل دور الأسرة كبيراً في ذلك الوعي، مبيناً أن العقاب، والكتاب المدرسي، والآباء هي المثلث الهرمي في الحد من المشاكل الأخلاقية.
- د.محمد الخنيزي
ليست ظاهرة
وعن تعاطي المجتمع مع القضايا الأخلاقية رأى "د.الخنيزي" أن الكثير من الناس يرون أن القضايا الأخلاقية ليست ظاهرة، وإنما هي في حقيقتها عبارة عن حالات فردية، فخروج شاب مع فتاة، أو خلوتهما في شقة لا تتطور إلى درجة الظاهرة، مضيفاً أنه حتى على مستوى مجالس الناس الخاصة، فإنه في حال سماعهم عن مثل هذه الانحرافات فإنهم يصفونها بالحالة الفردية القليلة، وذلك ما يستدعي الحديث عن غياب الإحصائيات الدقيقة في ذلك الجانب، ذاكراً أن المجتمع لا يتعاطى مع الانحرافات الأخلاقية بشكل عميق وواعٍ، فحينما تبدي فتاة مضايقتها من شاب تحرش بها في أحد "المولات"، أو يلاحظ بأن هناك شاباً يلحق بفتاة، فإن الناس هنا يكتفون بدور المتفرج، فليس هناك مبادرة للحد من تلك الظواهر ومنع الانحرافات السلوكية، حتى إن تعالت صرخات الفتاة، فإن الناس لا يتدخلون في ذلك الموقف، بل يصدر حكم بحق الفتاة بأنها من أثارت الشاب ودفعته للحاق بها، وذلك خطأ كبير في تعاطي المجتمع مع تلك الانحرافات، مشدداً على أهمية مشاركة المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية في تكثيف التوعية الجيدة، كما أنه لابد من إيجاد خط ساخن لأي فتاة تحرش بها شاب أن تجد استجابة سريعة، خاصةً وأننا نملك ثقافة دينية قوية جداً، تمكننا من أن نتحول من مجتمع يتقن دور المشاهدة فقط لتلك الانحرافات الأخلاقية، إلى مجتمع راق ومركز للعالم الإسلامي في الحد من تلك المشكلات، متسائلاً: كيف ننتج الكتب في احترام المرأة لدول العالم ونحن من نسيء إليها بتلك الانحرافات السلوكية التي تصدر من البعض؟
وسائل التحفيز
وأكد "د.مسعود الغامدي" -الداعية والإعلامي- أن القضايا الأخلاقية موجودة في كل مجتمع، وخروجها بهذا الشكل في الوقت الحالي يستدعي الكثير من اليقظة في التعاطي معها، مضيفاً أنه من سنن الله في الأرض أن تكون هذه الانحرافات السلوكية موجودة في المجتمعات، ولكن ازدياد حجمها وتفاقمها يعودان إلى عدة أسباب واضحة وظاهرة، والتي تفرض على الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني أن تبذل جهداً أكبر في التعاطي معها، ذاكراً أن أهم تلك الأسباب يكمن في أن وسائل التحفيز على تفشي هذه الظواهر الأخلاقية كثيرة في الوقت الحالي في العالم، ونحن جزء من هذا العالم، ومن أهم تلك المغريات "الإعلام المفتوح"، الذي أصبح مغرياً جدا، خاصةً لفئة الشباب، سواء أكان الإعلام المرئي أم الشبكات العالمية للانترنت وغيرها، وكذلك ما حصل في الفترة الأخيرة من الفراغ والبطالة، والتي تجعل الشاب عرضة للانحراف، مشيراً إلى أن دور المؤسسات التعليمية والمعنية بالتربية، كالشؤون الإسلامية والتربية والشؤون الاجتماعية والإعلام، والمؤسسات الأصغر كالمسجد، باهت في الدعوة إلى تقويم السلوك، وكذلك الدعوة إلى الخروج من هذه الدائرة والخلاص منها، مؤكداً أن الدور ليس فقط ملقى على المؤسسات الدعوية في تقويم الانحراف الأخلاقي في المجتمع.
تحصين ديني
وأوضح "د.الغامدي" أن هناك قصوراً في تعاطي المؤسسات الدعوية في تقويم الانحراف الأخلاقي، فنحن مازلنا بحاجة إلى تطوير أساليب التوعية فيما يتعلق بتقويم سلوك الشباب، موضحاً أن الصحوة مازالت متأخرة في مواجهة الانحراف والعمل بدورها، وعلى الرغم من تأديتها دوراً جيداً، إلاّ أنها لم تواكب ما يجري، رافضاً التعاطي مع المشكلات الأخلاقية بسياسة الانغلاق، أو ما يدعو إليه البعض بالانفتاح المسؤول، واصفاً ذلك بالدعوة الغريبة، متسائلاً: كيف من الممكن أن يترك الفضاء واسعاً أمام الشباب بأن يفعلوا ما يرغبون به وأن لا يرد لهم طلب؟ حيث إن ذلك مخالف لسنن الله في الكون، مضيفاً أن الدين الشرعي وضع روادع وحدوداً، ووضع العقوبات، لذلك جاءت التعزيرات والحدود، وذلك ما يمنع الإنسان من ارتكاب الخطيئة، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك تحصين ديني وتربوي وأخلاقي، ثم تكون هناك الروادع الطبيعية والشرعية، داعياً إلى عدم نزعها أو إضعافها.
شكليات فقط
وأكدت "د.حصة آل الشيخ" -الباحثة في قضايا التربية والمرأة- أن المؤسسات التعليمية للأسف غائبة عن أداء دورها الكبير في الحد من الانحرافات السلوكية، وكذلك في إيجاد سبل لتعميق الوعي بخطورتها، وذلك يبدو في التعاطي التعليمي مع الطفل من خلال المدرسة، مضيفةً أن المؤسسات التعليمية تركز على الشكليات، وتهمل الجانب التربوي والقيمي لدى الطفل، موضحةً أنه لا أنظمة في الجامعات صارمة للانحرافات والممارسات غير الأخلاقية، فغالباً ما تعتمد على رؤية الشخص القائم عليها، بأن يتحمس لها أو أن تأخذ بُعداً آخر، متأسفةً على أن ما يحدث يؤكد عدم وجود عقوبات، فلوحة الطالب تركز دائماً على الأمور الشكلية، وهي لائحة ثقافية، وليست لائحة إرشادية وتوجيهية سلوكية..
التسوق العائلي يحمي الفتاة من الانسياق نحو المعاكسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.