لا أظن أحداً من البشر قد سأل نفسه هذا السؤال أو تلقاه من شخصٍ آخر، وكثيرة هي الأسئلة التي لم ترد على بال أحدٍ قط، ذلك لا يعني سلامة منطق السؤال أو حتمية إمكانية الإجابة عليه، وأظن أيضاً أن السؤال عن السعة مشروع، عقليا وفيزيائيا، طالما يمكن قياسه التقديري أو الفعلي، إن الغالب من الأسئلة لا يتجاوز الطول والوزن والمقاس وكلها معطيات لا يد للإنسان فيها وإنما أمرها بيد الخالق سبحانه، وعليها يمكن قياس الحجم إلى الحيّز من الفضاء طالما علمنا الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع، أما السعة فهي مختلفة ويمكن تشبيهها بما يتسع له الإناء، هذه السعة في اعتقادي تكون لسمات الشخص نفسه لا لشكله، كسعة الصبر والقبول والحِلم والطموح والأمل، يترتب على تلك السعة سعة التكليف والمسؤولية «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» فالتكليف في السياق مشروط بوسع النفس ومدى قابليتها، وهي سعة قابلة للزيادة والتمدد والعكس صحيح، ولست أعلم إن كانت النفس في أكبر سعتها عندما يخلق الله الخلق فتتحجم وتصغر كلما زادت دوائر التأثير أو متناهية الصغر في الأصل وتتسع أكثر وتكبر بذات الدوائر أيضاً، وإنني أميل إلى أنها تصل إلى ما لا نهاية من السعة في بداية الخلق وتعود إلى ذلك في «أرذل العمر» أيضاً، ذلك ينطبق على سعة النفس ولا ينطبق على سعة العقل، فسعة العقل تختلف مؤثراتها عن سعة النفس بل قد تتعارض معها كما هو الحال بين الصواب والخطأ، إن الوصول إلى درجة التوازن بين سعة النفس والعقل ليست بالمهمة السهلة، لكنها الدرجة الأهم في درجات الشعور الإنساني، التي يمكنني الآن أن أعتبرها درجة السلام، فكم سِعتُك اليوم؟