التضخم المستمر كأحد أهم أسباب معاناة المجتمعات لا سيما الطبقات الدنيا منها، يعود لأسباب كثيرة، من أهمها عدم وجود ما يُسمى ب (سوق المنافسة الكاملة)، هذا المصطلح يعني باختصار انتفاء أدنى درجات الاحتكار من السوق من خلال توفر الشروط الثلاثة التالية: تعدد البائعين والمشترين، تجانس السلع والعلم التام لدى المستهلكين بأسعار السلع، كل ذلك يؤدي إلى تمكن المشتري من الحصول على أي سلعة يريدها من مجموعة كبيرة من الباعة وبنفس المواصفات والمقاييس تماماً، وبحيث لا يكون لديه السبب لتفضيل سلعة أحد البائعين على غيره في الظروف الطبيعية، كما أنَّ عدد البائعين كبير بدرجة ينتفي على إثرها قدرة أي بائع ومشتر على التأثير المستقل على السوق، هذه الشروط وإذا ما توفرت في سوقٍ ما، أصبح مصداقاً لسوق المنافسة الكاملة، وهو ما تحتاجه كل المجتمعات لمواجهة احتمال أي حالة عبثية أو حالة جشع تدفع بتاجر ما أو بمجموعة من التجار المتكتلين للتلاعب بالأسعار والتأثير عليها. السعي لتحقيق مفهوم المنافسة الكاملة على السوق ينبغي أن يكون هدفا لأي مشرِّع ومُتخذ قرار، السبب البديهي بالتأكيد هو مصلحة المجتمع لا سيما طبقاته الدنيا ومحدودي الدخل، النقطة المهمة هنا هي حينما لا يكون هناك عدد كاف من البائعين لتحقيق هذا المفهوم ما يجعل المحتكرين القلة لم يختاروا أن يكونوا كذلك، في هذا السياق ترد مجموعة من الحلول على المستوى الشخصي أميل إلى الحل الأخلاقي القائل بضرورة قيام جهة غير ربحية بإنشاء سوق موازية تستطيع توفير السلع المهمة بقيم سعرية مناسبة وبمعدل جودة عال، دخول هذه الجهة السوق كجهة مستثمرة ستجعل التجار المحتكرين مُلزمين بتصحيح أسعارهم وخلق مستويات جودة جديدة وتنافسية، وسينعكس ذلك بالتأكيد إيجاباً على المستهلك، وسيؤدي في المقابل كذلك: عدم قيام المحتكر بأي عملية تصحيح لأسعاره وجودة منتجاته إلى خروجه من السوق، بطبيعة الحال فإنَّ الاقتصاديين لا يميلون عادةً إلى حديث الأخلاق ولكن في تصوري أنَّ الرأسمالية المُغرقة في تجاهل الشعب ومنح الفرد حقوقا لا متناهية في الملكية والاحتكار والتصرف، هي داء مدمر أيقن الغرب الرأسمالي بعد فترة طويلة من تطبيقه أنَّه سيقودهم إلى الدمار والفشل حينما يستمرون فيه. أحد شواهد (احتكار القلة) في مجتمعنا السعودي هو احتكار (التعليم العالمي)، فمع وجود رغبة وطلب عال لدى شرائح المجتمع على هذا التعليم، لجأ أصحاب هذه المدارس وبشكل مستمر لرفع أسعارهم، مستغلين عدم وجود البديل التعليمي الذي تطمح له هذه الفئة، هذه المدارس ليست مضطرة لأن تبدي لأحد أي سبب واضح للرفع، وليست حتى مضطرة للتبرير بأية ميزة ذات قيمة مهمة حققتها في نظامها التعليمي لطلابها، السبب بالتأكيد هو الاحتكار، الحوار كما أراه معهم يشبه حوار اليابانيين مع الأمريكيين في معاهدة الاستسلام الشهيرة على متن سفينة يو إس إس ميسوري أمام الجنرال ريتشارد ك. ساذرلاند، فحينما أراد اليابانيون إبداء رأي ما، قال لهم الأمريكيون: (المهزوم يوقع فقط)، وهذا هو لسان حال بعض أصحاب هذه المدارس وربما كل المحتكرين، نعم ينبغي على المتعامل معهم أن يرفع العلم الأبيض مستسلماً ذليلاً، وإذا رفض فلن يكون هذا المحتكر مكترثاً كثيراً به، ذلك أنَّ طوابير منتظري سلعته التعليمية واقفة خلف الباب تماما، لا أتصور أنَّ هناك حلا مجديا لهذه الظاهرة إلا بقيام وزارة التعليم بتشجيع الاستثمار في هذا المجال الحيوي المهم وتخفيف الشروط والقيود المفروضة، بحيث يتجه السوق تلقائياً إلى التصحيح، أما دون ذلك فلا يبدو أنَّ هؤلاء المحتكرين سيتوقفون عن نهجهم المستفز، فلا يوجد سبب منطقي أو حتى قانوني يدفعهم لذلك.