الوطن حب ينشأ منذ أن تطأ قدمك على ثراه، فتدرك كم هذا الثرى غالياً عندما حمل قدمك المرتعشة وطبعت عليه خطوتك الأولى في الحياة. الوطنية تسقى مع حليب الأم، وتتعلم من كلمات الأب وتصرفات الأخ وانطباع أهل الحي. أما الجامعات فهي لا تمنحنا سوى العلم الذي نسعى من خلاله لجلب لقمة العيش أو تمنحنا الشهادات التي نتفاخر بالحصول عليها ونزين بها حيطان المنازل وأرفف المكاتب. أقول هذا لأني قابلت طبيباً سعودياً يملك عدة عيادات في التجميل والجلدية بالشراكة مع طبيب سعودي آخر، أخذنا نتناول أطراف الحديث وأتينا إلى (موضوع/ توظيف السعوديين في المركز الطبي) فكان كارهاً للفكرة متذمراً من أنظمة مكتب العمل ورفعه لنسبة السعودة في كل سنه ويصفها بالتشدد والتعقيد. فنظرت إليه وقلت: يا دكتور الدولة تمر بأزمة حقيقية.. فنسبة البطالة بين شباب الوطن وفتياته تصل إلى حوالي 20 % وأكثر، وربما تتجاوز 40 % إذا احتسبنا معها السعودة الوهمية التي هي مرض عضال يفتك بالسوق السعودي، يتغذى من كل تاجر أناني وشاب كسول جاهل ووافد لا يهمه مستقبل الشاب السعودي ومصيره. البطالة وسبل مكافحتها هي قضية وطنية في المقام الأول والأخير؛ لما تسببه من مشكلات أمنية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية. فقال لي إنه جرب الموظفين السعوديين من شباب وفتيات فوجد منهم التقصير الواضح في العمل والتأخير في الحضور وعدم تحمل شكاوى العملاء وامتصاص غضبهم. قلت له: بالنسبة لتحمل غضب العملاء فهذا علاجه بالتدريب.. التدريب الذي يقصِّر فيه القطاع الخاص ويجهلون أهميته حتى قلَّ أن تجد شركة تضع ضمن خطط الموارد البشرية لديها بند التدريب السنوي للموظفين، فتمر على الموظف عدة سنوات لم يحظ فيها بدورة تدريبية في مجال عمله تساعده على التطور والتقدم، وأما بالنسبة للتأخير وعدم المواظبة فانظر ما هو سببه: حين يأخذ موظف الاستقبال السعودي 5000 آلاف ريال ويطلب منه تسع ساعات عمل في اليوم وستة أيام عمل في الأسبوع وفترتين صباحية ومسائية فبالتأكيد سيصل في نهاية الأمر إلى الملل والفتور؛ حيث لا حوافز مستمرة ولا زيادة ثابتة ولا مرتب يوفي احتياجاته من زواج ومركب ومسكن وملبس، بينما الوافد الذي تقل عملته عن عملة هذا البلد بشكل كبير فيرى في الخمسة آلاف هذه غناه ونسيان فقره؛ فمنها يبني مسكنا في وطنه ويشتري مركباً وينشئ مزرعة. إذا عرفت كل هذا يا دكتور تبين لك أساس الخلل وعرفت أصل المشكلة وأهمية هذه القضية الوطنية «توطين الوظائف».