حاول الشاب فواز سعد، أثناء قراءته خبراً عن برنامج "نطاقات 3"، الذي تعتزم وزارة العمل تطبيقه في رجب المقبل، الوصول إلى معلومة ترشده بموعد تعيينه في أي وظيفة كانت، إلا أنه فشل في فهم شيء يطمئنه على مستقبله. وقلّب "الحبيب" صفحات الجريدة التي كان يُمسك بها بحثاً عن وظيفة شاردة هنا أو هناك، ووجد الكثير منها، إلا أن شروطها غير مناسبة له، ومع آخر صفحة قرأها أغلق الصحيفة بعشوائية مفرطة، وألقاها جانباً، وغط في سبات عميق. وتتضارب أرقام الإحصاءات الخاصة بالبطالة بين مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات من جانب، ووزارة العمل من جانب آخر؛ إذ تقول الأولى إن "تعداد القوى العاملة الوطنية في السعودية يبلغ 5.26 مليون، ويصل عدد العاطلين عن العمل إلى 629 ألف مواطن عاطل عن العمل، ويُمثل غير السعوديين ثلث السكان بنسبة 33 في المائة، أي بنحو 10 ملايين وافد. وبهذه التقديرات تكون نسبة البطالة في السعودية 12 في المائة". فيما تُشير وزارة العمل عبر برنامج "حافز" إلى أن "عدد الباحثين الجادين عن العمل بلغ 1.9 مليون شخص، 20 في المائة منهم جامعيون". أي أن نسبة البطالة بحسب "حافز" تصل إلى 36 في المائة، مع الأخذ في الاعتبار أن 50 في المائة من سكان السعودية دون ال 25 سنة.
أزمة السعودة ويمثل فواز سعد جيلاً من الشباب السعودي، يبحث عن عمل يرتزق منه، إلا أن البحث أعياه في إيجاد وظائف مناسبة، ليس لسبب سوى أنهم خريجو تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل. وفيما ينتظر بعضهم ما توفره لهم وزارة العمل من وظائف شاغرة، تأتي من جراء تطبيق برامج السعودة، يرى البعض الآخر أن هذه البرامج تضيع الجهد، وتستهلك الوقت، دون أن ترسم ملامح المستقبل للشباب، مطالبين بحلول سريعة وحازمة لحل أزمة السعودة، تشارك فيها الوزارات والجهات المعنية، ولا تقتصر على وزارة العمل.
سراب الغد المشرق ويقول شاب آخر يدعى فهد: "تخرجت من كلية الشريعة قبل أربع سنوات، ووجدت أن تخصصي هذا غير مطلوب بالمرة في سوق العمل، وهذا ليس ذنبي. علماً بأنني كنت طالباً مجتهداً، أحصل على تقديرات تتراوح بين الجيدة والممتازة في كل عام".
وأضاف: "وزارة العمل منذ سنوات عدة تتحدث عن أهمية تطبيق مبدأ السعودة، وتعلن برامج وحلولاً لتعزيز هذا المبدأ على أرض الواقع، وللأسف الشديد الجميع صدقها في أقوالها وأفعالها، ولكن الناتج لهذه الحلول مجتمعة لم يكن على المستوى المأمول". مضيفاً "لا أنتقد آلية الوزارة؛ فهي تجتهد وتسعى، ولكن أنتقد أن تعطينا الوزارة الأمل في غد مشرق، ثم لا يأتي هذا الغد الذي تتحدث عنه".
وقال: "انضممت إلى برنامج حافز في بداية تطبيقه قبل نحو ثلاث سنوات، وحصلت على الدعم الحكومي للباحثين عن العمل، وقدره ألفا ريال كل شهر، لمدة عام، وبعدها التحقت بمهنة سكرتير في القطاع الخاص، ولم أستمر فيها أكثر من 44 يوماً، ثم انضممت إلى شركة لصناعة الورق، لم أمكث فيها سوى شهرين وتركتها، ليس لأنني موظف كسول أو مهمل، ولكن لأنني لا أفهم شيئاً في آلية أداء هذه المهن البعيد كل البعد عن تخصص الشريعة".
نسبة السعودة ويتمنى حماد علي أن يجد وظيفة يمكث فيها فترة طويلة، ولا يغادرها إلى وظيفة ثانية وثالثة، ويقول: "خلال عامين تنقلت بين خمس وظائف في القطاع الخاص، رغم أنني خضعت لبرامج تأهيل وتدريب، وحاصل على شهادات كفاءة وخبرة، من المفترض أن تعزز مكانتي في أي وظيفة أحل بها". وأضاف "مشكلتي هي نفسها مشكلة جيل كامل، يتخبط في وظائف القطاع الخاص، الذي يجد نفسه مضطراً لتوظيفنا، رغم عدم حاجته إلينا، لزيادة نسبة السعودة، وتجنب النطاقات الحمراء".
وتابع: للأسف الشديد، وزارة العمل تعرف هذه الحقيقة، ولكن لا تستطيع فعل شيء. مضيفاً "نأمل نحن السعوديين أن نجد وظائف تبحث هي عنا نحن الشباب، وتتمسك بنا، وليس العكس. نأمل أن يتنافس أرباب العمل على توظيفنا بأعلى الرواتب، بدون أنظمة وقوانين وزارة العمل التي تتوعد كل منشأة قطاع خاص لا تلتزم بنسب السعودة، ونحلم بأن يتنافس العامل السعودي أمام العامل الوافد، وتكون الغلبة لابن الوطن، دون أي مجاملة أو تدخل من أي جهة، عندها فقط تتحقق السعودة التي ننشدها ونتمناها".
مليارات الريالات ويؤكد أحد المحللين الاقتصاديين أن البطالة في السعودية لا تحتاج إلى أنظمة وتشريعات، بقدر ما تحتاج إلى تأهيل وتدريب، مشيراً إلى أن برامج التدريب ما زالت دون المستوى المأمول، وقال: "نسبة التسرب من وظائف القطاع الخاص مرتفعة جداً، وهذا يفقد الدولة مليارات الريالات التي تذهب في تدريب الشباب على مهن بعينها، ثم يغادرونها إلى مهن أخرى، وهكذا". مطالباً المؤسسة العامة للتدريب المهني بأن تفعل برامجها أكثر، وتعمل على إيجاد كفاءات مهنية في العديد من المهن اليدوية، مثل السباكة والنجارة والتشطيبات. موضحاً أن "هذه المجالات كفيلة بتوفير ملايين الفرص في حال سعودتها على أسس وثوابت تضمن أن يحل العامل السعودي محل العامل الأجنبي بنفس الكفاءة والمهنية".
وأضاف: "في إطار تطبيق السعودة لا ينبغي أن نضغط على القطاع الخاص أكثر من اللازم، ونراعي مصالح رجال الأعمال، بالقدر الذي نراعي فيه مصلحة الشباب الراغب في العمل، وهذا يتطلب تأهيل الشباب السعودي لتولي مسؤوليته في القطاع الخاص".