عندما كتبت في مارس عام 2004مقالا بعنوان (أصغوا إلى زامر الحي فربما أطربكم يوما) كنت وغيري كثر على يقين أنه لن يمر عامان إلا ونكون قد حققنا قفزات عالية في موضوع السعودة لما توفر لها من جهود مخلصة تشي بأن القادم مذهل، لكنء العامان مرّا دون أن يتحقق شيء يذكر في هذا الملف، ثم كتبت مقالا آخر في إبريل 2006بعنوان السعودة بين مطرقة القطاع الخاص وسندان البطالة، واليوم بعد مرور ما يقارب العامين، أكتب ما أكتب لأترجم الشعور الذي ينتاب كل المخلصين من أهل هذا الوطن باستحالة تحقيق ما كنا نطمح إليه بل أقل منه، ولعل متأمل عناوين هذه المقالات يدرك تدرجنا بين الإفراط في الأمل إلى الوقوع في هوة اليأس ؛ ذلك أن كل المؤشرات الحافة بالسعودة تقول إنه لا أمل. ولعلي أستعرض بعض العناوين التي نقلتها الصحف بشأن هذا الملف بدءا من العام 2004.مع تعليقي عليها بما يشبه حال من يتجرع دواءً مرّا. صرح الدكتور غازي القصيبي في 29إبريل 2004بأن: السعودية ليست وكالة توظيف للشرق والغرب وعدد تأشيرات الاستقدام لن يزيد عن 400ألف سنويا، رافضا ابتزاز بعض رجال الأعمال الذين هددوا بنقل أعمالهم إلى دول مجاورة إذا استمرت الوزارة في تضييق الخناق عليهم. وكان هذا التصريح من قبل الوزير السبب المباشر في حالة التفاؤل التي غشيتنا. أكد وزير العمل في 5نوفبر 2008استقدام 3.6ملايين عامل خلال عامين، أي ما يزيد على المليون وخمسمائة ألف سنويا عمّا وعد به معاليه في العام 2004!!! وأكد الوزير أن هذا العدد لن يؤثر على توظيف المواطنين! وقوله صحيح فهو لن يؤثر مادام أرباب العمل يلقون للمواطنين ما فاض عن مائدة الوافدين. إذن وأمام هذا السيل الجارف من العمالة الوافدة،يحق لكل مواطن مخلص أن يغضب حيث لم يتحقق شيء يذكر على صعيد السعودة ويبدو أنه لن يتحقق،إذ بلغت السعودة فيما بين العام 2004والعام 2008نسبة مخجلة في بلد ينام على أهم ثروات العالم، لأنه يستقبل ما يزيد على سبعة ملايين أجنبي يحولون لبلدانهم ما يزيد على 16بليون دولار سنويا، الأمر الذي يسهم في إنعاش اقتصاد بلدانهم، في حين يتسول أبناؤه وبناته أرباب العمل الذين تضخمت دخولهم بسبب تمتعهم بمناخ استثماري جيد، وأخذوا في ابتزاز الوطن ملوحين بالهجرة إلى الدول المجاورة إن هو أصر على أن يكون لأبنائه نصيب مما يكسبون وهو (اللهم لا حسد) كثير كثير، غير مدركين أن السعودة ليست منة أو إحسانا أو استجداء، بل هي حق واجب عليهم تجاه الوطن والمواطنين. أسف وزير العمل لأن سعوديين يتقاضون أجرا شهريا لا يتجاوز 800ريال فقط في القطاع الخاص. فهل أسف الوزير سيردم الهوة السحيقة بين رواتب السعوديين والوافدين الذين تتضاعف رواتبهم مائة مرة في أقل الأحوال عما كانوا يحصلون عليه في بلدانهم، في حين ينخفض راتب المواطن حتى يقل عمّا يتقاضاه سائق أو عاملة في بيت أهله، إنه أمر لا يدعو إلى الأسف بل يدعو إلى العجب والسخرية والغضب مما وصلت إليه قيمة المواطن في ميزان رجال الأعمال، كما يسبب القهر والإحباط في نفوس أولئك المواطنين، واليأس من قدرة أيّ كان على كسر دائرة الإقصاء التي تعاضد على إحكامها عليهم بعض رجال الأعمال المفرطون في أنانيتهم وجحودهم للوطن الذي أعطاهم الكثير! فمن نلوم حينما يضطر العاطل إلى السرقة أو ينضم تحت وطأة اليأس والحاجة إلى عصابة منحرفين، إنني لا أبرر الانحراف مهما كانت دوافعه، لكن ينبغي ألا نتجاهل الضعف الإنساني. القصيبي: ما يقال عن تقصير العمل في إعطاء التأشيرات "مشبوه". وشدد على أن الاقتصاد الذي استطاع أن يستوعب هذه الأعداد الهائلة يجب أن يستوعب في الوقت نفسه السعوديين والسعوديات الراغبين في العمل مشيراً إلى أن وزارة العمل لم تمنح هذه التأشيرات هدايا بل بشرط واضح وهو أن فرص العمل التي يزيحها هجوم هذه الأعداد المتزايدة يجب أن يواكبها إعطاء فرص عمل السعوديين مؤكداً أنه "من دون ذلك تختل هذه الموازنة ويتكدس العمال الوافدون بينما أبناؤنا وبناتنا في سجن البطالة". كلام الوزير أعلاه يثير كما هائلا من العجب، إذ كيف تبلغ الجرأة ببعض رجال الأعمال حدا يجعل الجهة المعنية بتوظيف السعوديين لا تترك سبيلا إلا وتسلكه من أجل إقناعهم بالتنازل والتكرم بسعودة الوظائف حتى بات ما تفعله جهدا ضائعا إذ لا حياة لمن تنادي. القصيبي: رواتب بعض السعوديين "مخجلة" وسنسعى إلى رفعها. لكن أن يكون الحد الأدنى لا يتجاوز 1500ريال حسب اتفاق الوزارة مع الغرف التجارية والصناعية وهو مبلغ يقارب وربما يقل عما يتقاضاه بعض السائقين والخدم! فأي استهانة بالمواطن تلك التي لا تحسب حسابا لمستوى الدخل في الوطن وارتفاع المعيشة وارتباط المواطن بأسرة لها متطلبات تفوق كثيرا متطلبات وافد تقطن أسرته في بلد يفوق مبلغ 1500ريال راتب أستاذ في الجامعة أو أحد موظفي الدرجة الأولى! أرجع الدكتور القصيبي تدني الرواتب إلى عدم التأهيل وهنا أتساءل هل كل الوافدين الذين يتقاضون أضعاف ما يتقاضاه السعودي مؤهلون؟ سؤال يجب أن نبحث عن إجابة له قبل أن نقول إن السعوديين لا يحصلون على وظائف بسبب تدني مؤهلاتهم، ألا يوجد سعوديون مؤهلون لكن أرباب العمل لا يريدونهم ويلصقون بهم كل التهم مثل الكسل وكثرة الغياب وعدم المسؤولية!! دعا عبد الواحد الحميد وكيل وزارة العمل إلى فتح المجال بشكل أكبر أمام المواطنين وقال إن المواطن هو "الأجدر والأحق بأن يعمل ليس فقط لأسباب اقتصادية ولكن لأسباب اجتماعية وثقافية وأمنية". وأضاف أنه "لا بد من إتاحة فرصة العمل للسعودي لكي لا نصل في لحظة من اللحظات إلى درجة الاعتمادية على عمالة وافدة قد تجد لديها فرصة عمل في بلدها وتذهب وتترك السعودية كما يحدث في الهند فكثير من المهندسين الهنود المتميزين أخذوا يعودون إلى الهند". وهذا الأمر ليس مقصورا على الهند فبلادنا أصبحت ورشة تدريب كبرى لجميع الوافدين الذين يهاجر بعضهم إلى أمريكا وأوروبا، بعد أن يحظوا بفرص تدريب عالية لا يمكن أن يجدوها في أوطانهم، حتى أن الغربيين أنفسهم يثقون كثيرا بالعمالة التي عندنا ويفضلونها على الذين يتقدمون من بلدانهم مباشرة، كما ذكر ذلك أحد السفراء الغربيين. مما جعل سوق العمل في بلادنا كالنخلة العوجاء! كشف عبد الواحد الحميد وكيل وزارة العمل في 15- 9- 2008عن أن الإستراتيجية الوطنية للتوظيف تناقش في المجلس الاقتصادي الأعلى في نسختها النهائية، وأن عملية إقرارها باتت مسألة وقت، لافتا إلى أن من ضمن أساسيات عملها أن يحصل السعوديون على وظائف ذات قيمة من حيث بيئتها وظروفها وعائدها المادي. وهذا الذي يجب أن تركز عليه الإستراتيجية إذ لا يليق بوطننا أن يصمت على توظيف أبنائه في وظائف دنيا كحراس أمن ومعقبين، بينما يتربع الوافدون على قمة هرم السلطة في الشركات والمصانع والفنادق وشركات السفر والسياحة، ومكاتب الخطوط السعودية في الخارج، والقنوات الفضائية المحسوبة على بلادنا. عبد الواحد الحميد: نسبة السعودة في شركات كثيرة لا تزال صفرا!!! ولا أقول هنا سوى ما أصبركم عليهم!! أوصى أحد أعضاء مجلس الشورى بضرورة قيام وزارة الخدمة المدنية بوضع إستراتيجية واضحة المعالم لتوظيف السعوديين، مشيراً إلى أن البطالة موجودة بنسب كبيرة بين الذكور والإناث في السعودية، ورأى أن المملكة بحاجة إلى تفعيل مؤسساتها بكفاءات وطنية تشارك في التنمية التي تمر بها البلاد في مختلف المجالات الحيوية. اقترحت وزارة التربية على مجلس الشورى زيادة إعانة المدارس الأهلية ؛ لتزيد نسبة السعودة وحل مشكلة قوائم انتظار الجامعيين، لكنها في الوقت نفسه لم تحاول أن تضع حداً أدنى لأجور المعلمين والمعلمات الذين يشعرون بالغبن إذا ما قارنوا رواتبهم برواتب زملائهم في المدارس الحكومية، علاوة على أن المدارس الخاصة تستنزف المعلم والمعلمة لأنها عندما وظفتهم اعتقدت أنها ملكتهم! وحسنا فعلت وزارة المالية عندما رفضت الزيادة لأن المدارس الأهلية تحصل على قروض ولا يمكن الجمع بين القروض والإعانات. فضلا عن أنها تتقاضى رسوما عالية من أهالي الطلاب لا تقارن بما تعطيه للمعلمين والمعلمات من المواطنين، لهذا لا بد من تحديد أجور المعلمين السعودييبن في المادرس الخاصة لتتساوى مع نظرائهم في المدارس الحكومية، فلا يعقل أن تتساوى رواتبهم برواتب السائقين والحراس في تلك المدارس. ولابد من ربط الإعانات حتى وإن كانت غير كافية في نظر ملاك المدارس بتوظيف المواطنين ورفع سقف رواتبهم. مالكو المدارس الأهلية يرفضون زيادة الرواتب. لكنهم لا يكفون عن المطالبة بزيادة الإعانات، أمر يدعو للعجب! 76% من العاطلات جامعيات وغالبية العاطلين من حملة الثانوية!!! أما العاطلات فأمر مفهوم في ظل وجود كثير من المحاذير التي يتمسك بها المتشددون وتحول دون توظيف المواطنة، وأما حملة الثانوية فأمر غير مفهوم مع تدفق عمالة معظمها أمية، مما يعني أن المواطن لا بواكي له. كشف مستشار اقتصادي في وزارة الاقتصاد والتخطيط أن 700ألف وظيفة في المملكة تشغلها موظفات غير سعوديات. لكن وزارة العمل تقول إنها ليست طرفا في عمل المرأة لاسيما في القطاع الخاص حسبما جاء في الصحف، ومع احترامنا لكل المبررات التي ذكرها الدكتور القصيبي في هذا السياق، فهل يُترك هذا الموضوع ورقة يلوح بها المتشددون كلما أرادوا إحكام قبضتهم على المرأة؟ فماذا عن عملها في محلات اللوازم النسائية الذي وأده المتشددون في مهده لغايات خاصة كلنا بتنا نعرفها. أعتقد أن عمل المرأة أمانة في عنق الوزارة وعليها أن تواصل نضالها في هذا السبيل فهو حق للمرأة. ولا يجوز أن يبقى هذا الملف عالقا بين ما يجوز ومالا يجوز. طلب أحد أعضاء مجلس الشورى في 7إبريل 2008لدن مناقشتهم الأداء السنوي لوزارة الخدمة المدنية عن 29ألف وظيفة شاغرة، وكثرة الوظائف المشغولة بغير السعوديين. فإذا تذكرنا أن الملك قد وجه منذ سنوات المسؤولين في الدولة إلى اعتبار الوظيفة شاغرة متى كان شاغلها غير مواطن، فإن العجب يأخذ منا كل مأخذ أمام هذا العدد الكبير من الوظائف التي يشغلها غير مواطنين! فهل وزارة الخدمة المدنية لا تعلم شيئا عمن يشغل تلك الوظائف؟ أم أن أمر السعودة لا يعنيها البتة؟ ملف السعودة متخم بكثير من صور المخالفات والجحود والتعالي والمعاناة لكثير من العاطلين، وكل ما جنوه هو أنهم يعيشون في وطن لا يأبه تجاره بهم ويفضلون عليه الأجنبي، وإلا فهجرة رؤوس أموالهم هي العصا التي يلوحون بها عندما يُطلب منهم النظر بعين المسؤولية لأولئك العاطلين من المواطنين شبانا وشابات. أما بعض المواطنين العاملين في القطاع الخاص فيحكون شيئا من معاناتهم قائلين: (تخصيص الوظائف الدنيا لنا، عدم الاعتراف بمؤهلاتنا، التضييق علينا وسوء المعاملة يدفعنا إلى الاستقالة، المنافسة غير الشريفة ومزاحمة الوافدين تصيبنا بالإحباط، المقارنة بالموظف والعامل الأجنبي مؤلمة، المدير العربي يشوه صورتنا بينما المدير الغربي أكثر إنصافا، رواتبنا مخجلة، وأصحاب العمل متسلطون ولا يتعاطفون معنا، الوافدون من الجنسيات العربية يمارسون سياسة التطفيش لإحلال بني جلدتهم محلنا، هناك من يروج الأكاذيب عن تسيبنا وعدم تحملنا المسؤولية وقدرتنا على المنافسة، الاحتيال على السعودة وعقد صفقات مع الموظفين السعوديين وهميا، واستغلال ذوي الاحتياجات الخاصة) وغير هذا كثير مما تكتبه الصحف عما يعانيه المواطنون في القطاع الخاص في حال حصولهم على وظيفة فيه. فالوافد تفتح أمامه كل الأبواب أما المواطن فلا يكاد يجد كوة مفتوحة، ويظل يشاهد بأسى الأجانب وهم يتوافدون زرافات ووحداناً للعمل في وطنه في حين يبقى هو محروماً من حقه بسبب تعنت أرباب العمل واستبدادهم. عدد العاطلين مرشح للزيادة، لأن الوافدين عندما يأتون لا يريدون المغادرة، ومع توالي السنين تقل إنتاجيتهم، ناهيكم عن الشهادات المزورة التي تجعل السباك مهندسا، وأخصائية التجميل طبيبة، والخياطة أستاذة جامعية! إنه أمر يدعو للأسف فسوقنا أصبحت مكبا لعديمي الخبرة وقليلي الإنتاج، وانحراف بعضهم بلغ حدا لا يجوز السكوت عنه كما حدث في أحد مستشفيات جدة مؤخرا. تؤكد هذه العناوين والتساؤلات التي دارت حولها أنه لا أمل في تحقيق السعودة بإخراجها من النفق الذي وضعها فيه بعض رجال الأعمال، القضية برمتها قضية وطنية وشعور إنساني وتخلٍ عن الأنانية المفرطة التي تقدم مصلحتها على ما عداها. ولم يكن ينقصنا سوى أن يسمح للأجانب بالاستثمار، فيحتالون بمشاريع صغيرة لا يحتاجها الوطن ويملأون بلادنا بعمالة من أوطانهم، ولا أدري هل وضعت الهيئة العامة للاستثمار ذلك في حسبانها، أم أن الأمر خارج دائرة اهتمامها؟ أخيرا وأمام هذا الوضع المتردي الذي لا يبدو أنه في الطريق إلى الانفراج، أظن أن لسان حال كل أم تدعو لابنها أو ابنتها هو: (الله لا يحوجك للوظيفة)!!