استدعت أنقرة أمس سفيرها لدى برلين؛ ردّاً على اعتبار النواب الألمان مقتل الأرمن إبَّان الحرب العالمية الأولى «إبادةً جماعية» على يد القوات العثمانية. وأعلنت الحكومة التركية، التي تعدُّ الحديث عن إبادةٍ مزاعمَ محرَّفة، أن القرار سيلقي بتأثيراتٍ على العلاقات الثنائية. وصوَّت البرلمان الألماني بالإجماع تقريباً مع معارضة نائبٍ واحد وامتناع آخر عن التصويت. وحمَل القرار عنوان «إحياء ذكرى إبادة الأرمن وأقليات مسيحية أخرى قبل 101 عام». وفي إحدى قاعات البرلمان؛ رفع حاضرون بينهم عدد من أبناء الجالية الأرمنية لافتات كُتِبَ عليها «شكراً لكم» عند إعلان رئيس المجلس نتيجة التصويت وسط التصفيق. ورحَّب وزير الخارجية الأرمني، إدوارد نالبانديان، بالقرار، قائلاً «بلادنا ترحِّب بتبني مجلس النواب القرار». وووصف نالبانديان الأمر ب «مساهمة ألمانية قيّمة ليس فقط في الاعتراف والتنديد الدولي بإبادة الأرمن وإنما في النضال العالمي لمنع ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية». لكن أنقرة سارعت إلى التنديد، واستدعت سفيرها لدى برلين للتشاور، كما استدعت القائم بالأعمال الألماني لديها إلى وزارة الخارجية في وقتٍ لاحق. وحذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أن الاعتراف «سيؤثر بشكل خطير» على العلاقات الثنائية بين البلدين. وأبلغ صحفيين في كينيا التي يزورها حالياً «هذا القرار سيؤثر بشكل خطير على العلاقات الثنائية»، كاشفاً عن عزمه اتخاذ قرارٍ حول «الخطوات» التي ستردُّ بها بلاده بعدما يعود إليها. واعتبر المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، أن «اعتراف ألمانيا ببعض المزاعم المحرَّفة التي لا أساس لها يشكل خطأ تاريخيّاً»، مشدداً «هذا القرار باطل ولاغ». وفي تغريدةٍ على «تويتر»؛ وصف وزير الخارجية في الحكومة، مولود جاوش أوغلو، القرار الألماني ب «خطوة غير مسؤولة». واتهم برلين ب «السعي لتحويل الأنظار عن تاريخ الرايخ الثالث المظلم». ورأى أن «طريقة التغطية على الصفحات القاتمة في تاريخهم يجب أن لا تكون عن طريق تشويه تاريخ الدول الأخرى من خلال قرارات البرلمان غير المسؤولة التي لا أساس لها». وكانت كتل الأكثرية البرلمانية الألمانية قدّمت نص القرار، أي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، إضافةً إلى حزب الخضر المعارض. يأتي ذلك في وقتٍ تعتمد فيه ألمانيا والاتحاد الأوروبي على مساعدة تركيا في وقف تدفق المهاجرين، رغم تصاعد التوتر بين الجانبين بسبب حقوق الإنسان وغيرها من القضايا. وتسعى العاصمة الأرمينية، يريفان، منذ فترة طويلة إلى الحصول على اعتراف دولي ب «الإبادة»، لكن أنقرة ترفض استخدام ذلك الوصف، وتقول إن ما حدث هو مأساة جماعية قُتِلَ فيها عددٌ متساوٍ من الأتراك والأرمن. ورغم الإقرار بغضب تركيا؛ اعتبر قادة سياسيون ألمان «الاعتراف الواضح بالحقائق التاريخية» خطوةً مهمةً في شفاء الجروح القديمة. ونيابةً عن الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل؛ صرَّح فرانز جوزف يونغ «نحن لا نهدف إلى محاكمة تركيا، لكننا نوضح أن تحمل المسؤولية عن الماضي هو أمر لا بد منه من أجل المصالحة». ومارس القادة الأتراك الضغوط قبل التصويت. واعتبر رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديريم، أن مبادرة مجلس النواب الألماني تشكل «اختباراً فعليّاً للصداقة» بين البلدين. وأعلن يلديريم في خطابٍ في أنقرة «هذا النص لا يعني شيئاً بالنسبة لنا، وسيشكل اختباراً فعليّاً للصداقة». وكان أردوغان حذر من أن تمرير القرار «سيلحق ضرراً بالعلاقات المستقبلية بين البلدين»، واتصل الثلاثاء بميركل للتعبير عن «قلقه» والتشديد على أن هذا «الفخ» قد يؤدي إلى «تدهور مجمل العلاقات الثنائية». ولم تشارك ميركل النقاشات، لكنها أبدت تأييدها للقرار خلال تصويت سابق في الكتلة البرلمانية المحافظة. وقبل يوم أمس؛ لم تتخذ برلين موقفاً واضحاً من أحداث الحرب العالمية الأولى. وكان الرئيس، يواكيم غوك، أرفع مسؤول ألماني يطلق عليها وصف «الإبادة». وأثار خطابه العام الماضي خلال إحياء الذكرى المائة للأحداث؛ انتقادات شديدة من تركيا. وصدرت التحفظات حتى من بعض المسؤولين الألمان على غرار وزير الخارجية، فرانك فالتر شتاينماير. وقال المتحدث باسمه إنه «يأمل» ألا يؤدي المشروع إلى «تأزيم العلاقات لفترة طويلة مع تركيا». وتعدُّ هذه القضية حساسة بشكلٍ خاصٍّ في ألمانيا التي يقيم فيها 3 ملايين من أصل تركي وصلوا في إطار برنامج «العمال الضيوف» في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وعند بدء النقاشات؛ رفض رئيس البرلمان الألماني «البوندستاغ»، نوربرت لاميرت، وصف المجلس ب «محكمة» أو «لجنة مؤرخين». وأشار إلى محاولة النواب «تحمُّل مسؤوليتهم» عبر تأييد القرار. وعبر عن أسفه «للتهديدات العديدة بما يشمل التهديد بالقتل» التي استهدفت بعض النواب خصوصاً المتحدرين من أصول تركية، مشدداً «هذه التهديدات غير مقبولة ولن نسمح بترهيبنا». ويقول الأرمن إن 1.5 مليون أرمني قُتِلوا بطريقة منظمة قبيل انهيار السلطنة العثمانية. وتحدث عددٌ من المؤرخين في أكثر من 20 دولة، بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا، عن وقوع «إبادة». بينما تقول تركيا إن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية ترافقت مع مجاعة وأدت إلى مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني فضلاً عن عددٍ مماثلٍ من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول. واعترفت أكثر من 20 دولة بينها فرنسا وروسيا ب «إبادة الأرمن». وفي قرارهم؛ لفت النواب الألمان إلى «تحمل الإمبراطورية الألمانية مسؤوليةً جزئيةً عن هذه الأحداث».